كلما صعّد التيّار الوطني الحرّ بمواقفه الجنونية كلّما فقد من رصيده الوطني وتحوّل إلى متسول رئاسة غير ممكنة لأنها مستندة إلى منطق الإستقواء بالحلفاء على الخُصماء وإلى إنتهازية مُفرطة في الإستغلال لظرف صعب في منطقة تعجّ فيها حروب مذهبية وطائفية شرسة  .

لم تكن دعوة التيّار إلى استنهاض المسيحيين للدفاع عن حصتهم في السلطة إلا تحفيزاً لعصبية طائفية دفع الموارنة من أجلها أثمان كبيرة  ، وأوصلتهم إلى ما هم عليه من وهن ومرض قيادي لا دواء له ولا شفاء منه .

ثمّة تيّار يستخدم غباء الشخصنة السياسية لتوريط طائفة في مشاكل لن تكون أبداً لصالحها لأن الظروف اللبنانية والعربية والاقليمية والدولية لم تعد على ما كانت عليه عندما كانت المارونية السياسية طائفة السلطة ، فهناك ولادات جديدة لمواقف غير لاحظة لعودة المسيحيين إلى دور طليعي غير ممكن في فترة يعاد فيها صياغة المنطقة على ضوء حسابات جديدة ترعى خارجها ذئاب السلطة من غير الهويات الأكثرية في شرق بات محموم بحُمى مذاهب الدين الإسلامي  .

يبدو أنّ إتكال التيّار على حزب الله الشيعي يخسره في السياسة لأن التوازنات الدقيقة في البرلمان اللبناني لا تسمح بمجيء رئيس مستقوٍ على طرف ، إضافة الى أنه طرف لاذع في الأساس ولا يمكن إعطاءه فرصة قاتلة بالنسبة لهم ، لأن في مجيئه إعادة لإحياء الكابوس الماروني بإسترداد لبنان الذي يعتبرونه جائزة ترضية دولية لهم .

إنّ تياراً ينادي بإحتكار الرئاسة والتعيينات المارونية وحيازة الحصة المسيحية كاملة وبطريقة تحريضية وفجة ، دعوة لن تلاقي نجاحاً لها لأن الموارنة أنفسهم ليسوا تياراً ذائباً في شخص ولم يعودوا مشروعاً واحداً يدور حول إحتكار الدولة لصالح الطائفة بل باتوا أسارى تجارب مرّة فرضت عليهم التعاطي بمنطق آخر مقارب للطوائف من باب التماثل من جهة والتماهي من جهة أخرى حتى لا يقعوا فريسة ذئابهم المتوحشة لسلطة لم تنجيهم من حروب أكلتهم أفراداً وجماعات ، وتبين لهم أن إعتدالهم شرط أساسي لإستمرار دورهم في السلطة وأنّ تطرفهم قد سلبهم السلطة وحولّهم إلى زبائن في سوق سياسي تديره تيّارات الطائفتين الشيعية والسُنيّة وتملك كامل ريعه دون أن يكون للطوائف أخرى سهم أو نصيب في بيع أو شراء ..