ولد آية الله سماحة السيد محمد حسين فضل الله في النجف الأشرف في العـراق في تشرين الثاني من العام خمسة وثلاثين ، حيث كان والده آية الله السيد عبد الرؤوف فضل الله قد هاجر إليها لتلقّي العلوم الدينية، وأمضى مع أسرته فترات طويلة في الدرس والتدريس....

 

بدأ السيد فضل الله دراسته للعلوم الدينية على يد والده في التاسعة من عمره وتدرّج حتى انخرط في دروس الخارج في سنّ السادسة عشرة تقريباً، وتلقى علومه على يد كبار أساتذة الحوزة آنذاك، أمثال: المرجع الديني السيد أبو القاسم الخوئي والمرجع الديني السيد محسن الحكيم ، والسيد محمود الشاهرودي، والشيخ حسين الحلي (قدس سرهم)، وقد كان سماحته من الطلاب البارزين في تحصيلهم العلمي في تلك المرحلة عاد السيد فضل الله إلى لبنان في العام ستة وستين، وكان مدركا منذ اللحظة الأولى لمجيئه أنه لا بد من العمل للإسلام في إطار مشروع متكامل رغم الصعوبات الكبيرة .

 

اختار آية الله فضل الله أن يبدأ خطواته الأولى في المشوار الطويل من منطقة "النبعة" حيث عمل على خطين : رعاية شؤون العامة من الناس، وتمتين علاقتهم بالإسلام . ولم تقتصر حركة السيد فضل الله على الساحة اللبنانية بل تعدتها إلى مختلف دول العالمين العربي والإسلامي وبعض الدول الغربية حيث كانت له جولات على بعض تلك الدول مثل الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا شارك خلالها في مؤتمرات علمية عديدة ..

 

لم تمنع الأحداث الأمنية التي عصفت بلبنان مع مطلع العام 1975م من مواصلة مهمته الدينية والإنسانية من خلال إصراره على مواجهة كل التحديات دون أن يستسلم لمنطق الحرب حيث تعرض سماحته لعدد من محاولات الاغتيال أبرزها تفجير سيارة مفخخة بجوار منـزله في بئر العبد ذهب ضحيتها ما يزيد على المائة والخمسين بين قتيل وجريح، معظمهم من الأطفال والنساء والشيوخ، إلا أن تلك المحاولات الفاشلة لم تنل منه أو من عزيمته حيث كان لسان حاله دائماً :إنني قد نذرت نفسي للإسلام ولا عودة إلى الوراء حتى لو أدى ذلك إلى استشهادي..

 

وعلى المستوى الجهادي، فقد شرّع أية الله فضل الله العمليات الاستشهادية في لبنان لدحر الاحتلال الصهيوني، وفي فلسطين بمواجهة العدو الصهيوني ودعا إلى مقارعة الاحتلال الأمريكي في العراق إضافةً إلى إعلانه مبدأً سياسياً هاماً، وهو أنه يجب على المسلمين في كل الدول العربية التي تواجه الاحتلال والاستكبار، العمل على أن لا يستقر الاحتلال أو يشعر بالاسترخاء في أرض المسلمين فضلا عن تأكيده الدائم على ضرورة توحد المسلمين وعدم الانزلاق وراء الفتن المذهبية .

 

فكان حضوره في مواجهة اتفاق الذل والعار في 17 أيار محطة مفصلية في مواجهة الانهزاميين والمستسلمين، حيث شكل اعتصام مسجد الإمام الرضا عليه السلام في بئر العبد أولى شرارات المواجهة التي أدت إلى تحول نوعي في تاريخ الصراع مع العدو الصهيوني وأذنابه.

 

أولى سماحة السيّد اهتماماً كبيرا بالشأن الاجتماعي للناس فأسس "جمعيّة المبرات الخيرية" التي تعنى بمتابعة أوضاعهم وقد توسعت هذه المؤسسة لاحقا لتشمل مناطق مختلفة من لبنان تحت ضغط الحاجة الاجتماعية هذا بالإضافة إلى تأسيسه معهد الهادي للإعاقة السمعيّة والبصرية الذي يعد من المعاهد الأولى في الشرق الأوسط .

 

وهكذا كان سماحة السيد فضل الله في فترات حياته كلها منبراً للكلمة الحرة والصادقة ورافعاً لراية الإسلام التي طالما أوصى في خطبه ومحاضراته وكتبه بالحفاظ عليها وخدمة الإسلام بأشفار العيون التي وإن غفت فإن أثرها لن يُمحى من الضمائر أبداً ...