لم يسبق للإسلام أن تعرض إلى أخطار كالتي يتعرض لها خلال العقد والنصف الماضي أي منذ تفجير برجي مركزي التجارة العالمي في الولايات المتحدة الأميركية .

فالأخطار التي تتهدد الإسلام لا تكمن في أنّه يتعرض لحروب من أديان أخرى أو من دول معادية للإسلام أو من فكر إيديولوجي يناهض الأديان بشكل عام .

بل إنّ الخطر الحقيقي الذي يتهدد الإسلام عقيدة وسلوكاً ينطلق من الإسلاميين أنفسهم ومن مدارس فكرية إسلامية انحرفت عن المنابع الأصيلة للفكر الإسلامي وهي الآيات القرآنية الكريمة ، وشوّهت صورة الإسلام الحقيقية التي جسدها النبي محمد( ص ) وهو حامل رسالة الإسلام ومبلغها ، ومعه المسلمين الأوائل الذين قدموا الصورة الحقيقية للإسلام قولاً وفي الممارسة والسلوك والمبنية على مكارم الأخلاق .

وبغض النظر عن الخلفيات التي تأسست على أساسها هذه المدارس الفكرية ومدى إرتباطها بالأجهزة الأمنية المشبوهة ، إلا أنها استغلت الدين الإسلامي لتحيط نفسها بهالة من القداسة وأوهمت الجمهور والعامة من الناس بأن مشروعيتها مستقاة من المطلق أي من الذات الإلهية ، وأنّ ما تقوم به هو تطبيق لشرع الله بحق المخالفين لتعاليمه وشرعت لذلك أسوأ الأساليب بشاعة بحيث تجاوزت حدود الوحشية .

وتفنن المتخرجون من تلك المدارس في أساليب القتل والذبح والإبادة الجماعية لكل من يخالفها الرأي لا فرق في ذلك سواء أكان مسلماً أو غير مسلم ، وإستباحت المحرمات وكفرّت كل ما عداها من الناس أجمعين .

على أنّ الأخطر من كل ذلك هو استخدام المساجد منطلقاً للترويج لأفكارها التكفيرية الهدّامة بحيث تحوّلت هذه المساجد من دور للعبادة إلى مصانع للإجرام والإرهاب .

فمعظم المساجد إفتقد المحراب فيها إلى عالم الدين المتفقه في الدين والداعي إلى إحياء شعائر الله وإلى بث روح الأخوة والطمأنينة بين المسلمين ، ومخاطبة الآخرين من أتباع الديانات الأخرى بالحكمة والموعظة الحسنة وإلى التسامح وحسن الجوار .

وتحوّلت منابر هذه المساجد إلى ساحات للدعوة إلى التطرف والتشدد والتكفير والإرهاب وغسل الأدمغة والشحن المذهبي بحيث تم تشويه الإسلام بصورة مخزية وبشعة .

وقد استحالت وظيفة المسجد من موئلاً للإسلام الحنيف ومنارة يشع منها العلم إلى كهف ترتاده وحوش بشرية تتسلح بفكر متوحش ومتفلت من اي قيد إنساني.

فالاخطار التي تتهدد الإسلام باتت اليوم هي الأمكنة ألتي من المفترض أن تكون منابع للخير والعطاء ومنارات تشع منها الحضارة والإنسانية بعدما تحولت إلى أوكار للإرهاب ومراتع للجماعات الإرهابية.

وعليه فإنّ الخطوة الأولى لدرء هذه الأخطار تبدأ بالإعلان عن إتخاذ قرارات صارمة بإغلاق تلك المساجد التي يشتبه بايوائها لهذه الجماعات الإرهابية والتكفيرية .

وهذه الخطوة تتطلب درجة عالية من الجرأة .

وفي هذا المعنى يمكن إعتبار تونس صاحبة المبادرة في الإقدام على هذه الخطوة الشجاعة بحيث إتخذت الحكومة التونسية قراراً بإغلاق ثمانين مسجداً في أنحاء مختلفة من تونس بعد المجزرة الإرهابية التي شهدتها مدينة سوسة الساحلية وذهب ضحيتها أكثر من 38 قتيلاً من جنسيات مختلفة ومعظمهم من السياح والمصطافين .

وهذا القرار يعتبر أهم قرار إتخذ ضد ثقافة الإرهاب الديني الإسلامي في العالم من أحداث الحادي عشر من أيلول عام 2001 في الولايات المتحدة الأميركية ، وليس على مستوى تونس بل على المستوى العالمي ، ويمكن التأسيس عليه في كافة دول العالم من حيث القدرة على إغلاق أيّ مركز للعبادة يمكن أن يستخدمه التعصب الديني لتهديد السلم الأهلي وضرب المؤسسات الشرعية والإستقرار والأمن والعيش بكرامة وحرية .

ومن المفارقات أنّ هذا القرار الثوري والجريء الذي اتخذته الحكومة التونسية يأتي في وقت تواصل فيه التيارات التكفيرية ( داعش والقاعدة  ) من العراق إلى سوريا إلى اليمن هدم مقامات ومساجد تاريخية وأثرية إسلامية مما يفقد التراث الإسلامي بل العالمي آثاراً ثقافية لا يمكن تعويضها .