كان نداء "25 حزيران ضد الانتحار" للهيئات الاقتصادية اللبنانية واضحا في تسليطه الضوء على أمرين: الوضع الاقتصادي المتهاوي، والشلل الضارب في أوصال الدولة، بدءا بالشغور الرئاسي فالجمود الحكومي والتعطيل البرلماني. 

ورغم أن ممثلي الغرف والنقابات كانوا متفقين على طرح عناوين الأزمة وبعض تفاصيلها المروّعة (البطالة 35% في فئة الشباب)، وكذلك في الإلحاح على انتخاب رئيس للجمهورية "حتى تبقى الجمهورية"، إلا أن التساؤل الأكبر كان متعلقا بما يستطيعه هؤلاء الاقتصاديون، وإلى أي حدّ يمكنهم التأثير في مواقف السياسيين الذين باتوا في معظمهم أدوات نحر الدولة وانتحارها.

لعل أكثر المواقف غرابة أن يتولّى فريق "8 آذار" تسفيه التقديرات المتشائمة للوضع الاقتصادي، والميل إلى اعتبارها تهويلا سياسيا من صنع الفريق الآخر، أي "14 آذار". 

ورغم أن لبنانيي الفريقين يعانون من ضيق العيش ذاته، وتساورهم المخاوف ذاتها من استمرار التعطيل المتمادي للدولة ومؤسساتها، إلا أن العماد ميشال عون يشارك حليفه "حزب الله" التهوين من المصاعب الحالية، مشكّكا بالأرقام والوقائع، لينتهي إلى خلاصتين: الأولى أن الأوضاع الاقتصادية عادية وأي سوء ينتابها يجب أن يُعزى إلى سياسات سابقة (حزبه في الحكومات منذ سبعة أعوام). 

والثانية غير المصرّحة تتماهى مع تقويم "حزب الله" بأن "اقتصاد المقاومة" يفترض حكما أن يتقبل القطاع السياحي انهياره الملموس، وأن يتكيّف المزارعون مع الصعوبات المتزايدة في تصريف إنتاجهم، وأن يرضى العمال والموظفون برواتبهم المجحفة، لأن ظروف الحكومة والبرلمان لا تسمح بإقرار سلسلة جديدة للرواتب.

لا يمكن ميشال عون إقناع أحد بأن لديه أو لدى تياره "عقائدية" أصيلة في استرشاده بخط المقاومة واقتصادها وقتالها دفاعا عن نظام مجرم وخدمتها مشروع التخريب الإيراني للمنطقة العربية، وإنما لديه غاية هي منصب الرئاسة، ولا بدّ لكل الوسائل أن تبررها، بما في ذلك ممارسة "تشبيحة التعيينات" على الحكومة والتهديد بالانسحاب منها بغية إسقاطها، أو طرح "الفيديرالية" و"المؤتمر التأسيسي"، أو إخضاع الترشيح للرئاسة لاستطلاع رأي يقتصر على المسيحيين، أو حتى إنكار المخاطر التي تهدّد البلد، والاعتقاد بأن "سلاح المقاومة" كفيل بصنع المعجزات، بما فيها إيصاله إلى المنصب.

لا ينفكّ العماد عون يقول ويعمل كل ما يبعده عن تحقيق هدفه الرئاسي. فكيف لـ"مرشح أوحد" أن يقدّم "حزب الله" وكأنه يشتغل عنده ومن أجله فيما الحقيقة أنه صار هو نفسه حبيس هذا الحزب ومن يمثله. 

وكيف لـ"مشروع رئيس" كهذا، وهو خريج مؤسسة الجيش، أن يستسهل التلاعب بالنظام والمؤسسات على هذا النحو، وأن يساهم في هشاشة الاستقرار ونفور الاستثمارات، مهددا اللبنانيين، مسيحيين ومسلمين، في أرزاقهم ومعيشتهم.. 

لا يمكن أي مسترئس في لبنان أن يكون ضد نفسه وضد شعبه إلى هذا الحدّ.