لا شك في أن العديد من الاهالي قد يواجهون صعوبات متعددة ومتفاوتة مع دخول اولادهم عمر المراهقة، هذه الفئة العمرية التي لا بد من أن يمرّ بها كل شاب وشابة، لكن بطريقة مختلفة بحسب الظروف التربوية والحياتية لكل عائلة لا بل لكل فرد.
وبتعريف بسيط لهذا العمر، يمكننا أن نقول، إنه عمر المتغيرات الجسدية والعاطفية والشخصية والاجتماعية، حيث تمتزج حاجات المراهق ومتطلباته الجسدية، مع الحاجات النفسية والعاطفية، للقدرة على التكيف مع هذه المتغيرات. يواكب هذه الحاجات طاقة نفسية وجسدية كبيرة تعمل على تحريك المراهق على مختلف الأصعدة.
كل ذلك يترافق مع بدء مسار نضوج فكري إدراكي، فتطرح الاسئلة المصيرية حول أمور معنى الحياة واهميتها والحقيقة وغيرها من الافكار العقلانية.
قد يتحيّر بعض الأهالي من أين نبدأ مع المراهق، وكيف نتكيّف أو نتعاطى مع كل تلك الطاقة بشكل صحيح، يمكّنه من تطوير قدراته بالاتجاه الايجابي.
يحاول البعض التغاضي عن الحقيقة العمرية لولده ويتجاهل ميزاتها ومتطلباتها، ويكمل وكأنه يتعامل مع طفله الذي اعتاد أن يملي عليه الامور، او أن يهمل اموره احيانا"، او يتحايل عليه احياناً اخرى. يميل البعض الاخر الى المزيد من الصرامة والحزم اعتقاداً منهم أنه عمر المخدرات والانحراف الجنسي والغضب اللامسؤول.
أما فئة اخرى من الاهالي قد تفضّل الكثير من الحرية، بمعنى التفلّت من كل المعايير التربوية، بحجة إما انه بحاجة إلى ذلك لمتطلبات عمره، أو للتهرّب من المسؤولية التي تتطلب جهداً فكرياً وتربوياً منتظماً.
مما لا شك فيه ان هذه الفئة العمرية، قد تكون أكثر عرضة او مهيأة اكثر من غيرها للتأثر بالمتغيرات الخارجية السلبية منها والايجابية، وذلك لكون الجهاز النفسي للمراهق بدأ بعملية ادراكية لأمور جديدة على كل الصعد، وهو ضمن مرحلة جديدة جسدياً وعاطفياً وذاتياً، مع ما يرافق ذلك من حاجة إلى اثبات الذات وايجاد الدور، الذي يحاول تثبيته ضمن العائلة والمدرسة والرفاق والاقارب والمجتمع. هذه العملية لا تمر من دون تأثيرات متعددة خلال تطور مسار المراهقة.
يبقى السؤال لماذا قد ينحرف بعض المراهقين أو أقله يمرون بصعوبات نفسية بليغة ببعض الاحيان، وقد تترك اثراً على مجمل مراحل حياتهم المستقبلية؟ في حين يكون البعض الاخر مرتاحاً او أقله يتعاطى بايجابية، فيتكيف في مراحل عدة مع صعوبات المرحلة، حيث تكون مرحلة تطوير الذات وبناء القدرات الجسدية والادراكية، ويعيشها بفرح طبيعي أي بسلبياتها وايجابياتها.
مما لا شك فيه أن عملية التحضير لعمر المراهقة تبدأ منذ السنين الاولى للتواصل بين الأهل وأبنائهم، فكلما كانت هذه التربية قائمة على التواصل الايجابي والحوار والثقة، والسماح بالتقدير الايجابي للذات، من خلال الدعم المتواصل والتشجيع والتحفيز، والمساهمة بتأمين الفرص المؤاتية للطفل، كانت عملية التواصل مع المراهق أسهل لاحقاً، حيث إنه يكون مهيأ للتواصل مع أهله بكل ثقة وأمان. فيكون الأهل داعمين أساسيين لاولادهم مع احترام الخصوصية المطلوبة للمراهق.
تصعب الامور عندما يكون الاهل بعيدين من التواصل الفعال مع ابنائهم، فيستعملون مبدأ العقاب الصارم أو العنف أو الحرمان أو التخلي عن المسؤولية، فتفقد الثقة بين الاهل وابنائهم المراهقين، ويسود الخوف والتحدي والعصيان واحياناً المواجهة العنيفة بينهم.
من هنا قد يلجأ بعض المراهقين الى التصرفات السلبية وربما غير القانونية أو المنحرفة ومنها المخدرات، بعد أن يكونوا ابتعدوا عن أهلهم ولجأوا الى رفاق يتفهمونهم ويتقبلونهم اكثر، فيشكلون مجموعات تتشارك الهموم والمشاكل كما والحلول، التي غالباً ما تكون غير مناسبة وببعض الأحيان تدخلهم في مشاكل مختلفة.
طبعاً تشكل آفة المخدرات الخطر الاول لهذه الفئة العمرية التي بغياب رعاية الاهل الصحيحة، قد تشكل للمراهق الوسيلة الوحيدة التي يعتقد أنه من خلالها، يستطيع الهروب من مشاكله، والتعويض عن اخفاقاته الحياتية، مع ما قد يستتبع ذلك من مشكلات مادية ومدرسية وعقلية وصحية وفي بعض الأحيان الخطر على الحياة.
يبقى تقديم النصائح التالية للاهل مما قد يساعدهم على تخطي هذه المرحلة بسلاسة وتذليل المشاكل التي قد تعترض ابناءهم.
لا بد اولاً من إعادة بناء الثقة مع اولادكم ولو بشكل متأخر. فعملية اعادة بناء تواصل فعال مع أولادنا ممكنة لاحقاً، ولو أنها كانت ستكون أسهل لو كانت عبارة عن مسار متلاحق منذ البداية. فنجاح عملية اعادة الثقة والحوار والتواصل تعتمد على صدقية الاهل واصرارهم وعزمهم على الاستمرار. فلا يكفي ان نحسن التواصل لفترة بسيطة، ومن ثم نقع عند اول تجربة ونعود لمنطق العنف.
فعلى الاهل الحوار والتواصل والاستماع والتفهم الى مختلف مشكلات اولادهم، والمشاركة في طرح الحلول والدعم . طبعاً هذا لا ينفي وجود صعوبات للوصول لهذه المرحلة، بخاصة كلما كان ذلك غائباً او بعيداً من اسلوب تواصل الاهل منذ سنين، الا ان هذا لا يعني ان عملية التغيير غير ممكنة.
يمكن في بعض الاحيان ان يتطلب ذلك تدخل اختصاصي نفسي لمساعدة الطرفين، لاعادة بناء الثقة والتحضير لمرحلة ايجابية لاحقة.
كما انه لا بد في احيان اخرى من تدخل معالج او طبيب نفسي بحال بلوغ المراهق او اهله مرحلة متقدمة من المشكلات النفسية، خصوصاً في حالات تعاطي المخدرات أو العوارض النفسية المتقدمة.
تبقى الاشارة ان لا شيء يدعو للهلع او الخوف من هذه الفئة العمرية، فكل المطلوب تواصل ايجابي وفعال لدعم المراهق وتوفير الفرص المؤاتية لتطوير وتثبيت الذات، كالانشطة الرياضية والثقافية والكشفية والترفيهية وتطوير المواهب، فالمشكلات الحياتية موجودة في كل الفئات العمرية ولو كانت اكثر حساسية في عمر المراهقة.