“إلى الآن لا أصدق أن سلام رحلت من دون أن تلقي السلام، تركتني أصارع حرقة قلبي التي ألهبتني شوقاً اليها، ما دفعني الى فتح قبرها بيدي لأكحل عينيّ برؤيتها، وأقطع شكي باليقين بأن كلام الطبيب غير صحيح”، بهذه الكلمات فتحت ايمان دواره كتاب حياة ابنتها وبدأت بسرد صفحاته، كتاب لم تغلقه الوالدة الثكلى يوماً منذ أن رحلت فلذة كبدها قبل أحد عشر عاماً، أطلعت عليه وزير الصحة وائل ابو فاعور فحرّك قضيتها من جديد، بناء على الشكوى التي تقدّمت بها الوالدة أحد المستشفيات والاطباء الذين تابعوا حالة ابنتها.

طبيب ديسك!
وجع في الرأس عانت منه سلام أجبرها على الخضوع لعمليتين خرجت بعدها من المستشفى جثة، لكن ما يثير العجب ان من أجرى العمليتين هو طبيب والدتها التي كانت تتعالج لديه من الديسك. تقول دوارة “بعد معاناة ابنتي من آلام في رأسها واجراء صور لها، نصح احد الاطباء زوجي معالجة سلام عند طبيب الديسك الذي كنت اتطبّب عنده، وبالفعل قصدناه، فكان تشخيصه ان هناك كيس ماء وسط جبينها يضغط على عينيها ممّا يسبب اوجاعها والسواد تحتهما”.

 

شريط ذهبي!
طلب الطبيب اجراء عملية في رأس سلام يضع خلالها ” نربيشاً طبياً” وراء اذنها يسحب من خلاله الماء، وشرحت “قال لزوجي تريد “نربيشاً” من النحاس او الفضة او الذهب، كان جواب زوجي ذهب بالتأكيد”، كلفته 1200 دولار، فتح الطبيب رأس سلام على اساس انه وضعها، لكن بدلا من ان تتحسن حالتها ساءت، وبدأ بطنها يخزن الماء”.

 

طبيب البنج
بعد اثني عشر يوماً، عادت سلام الى المستشفى للخضوع لعملية ثانية من أجل نزع كيس الماء من رأسها. أصرّ الطبيب على قص شعر ابنتي التي كانت تبلغ 22 ربيعاً، رفضت وبكت وانهارت، اقنعتها، فقبلت على مضض لتدخل بعدها غرفة العمليات حية وتخرج منها فاقدة الحياة”. واضافت “كان يجب ان تستغرق العملية بين 10 و12 ساعة، لكن بعد ثلاث ساعات ونصف الساعة انتهى الطبيب من المهمة، قال لنا ان كل شيء على ما يرام، ومن شدّة فرح والدها انحنى وقبل قدمه، صدّقه، لكن انا كنت اشعر ان ابنتي ليست على ما يرام، لأعلم بعدها من احد اقاربي سماعه الحديث بين طبيبها وطبيب البنج، وكان كل واحد يلقي المسؤولية على الآخر”.

ادخلت سلام الى غرفة العناية ” كانت ميتة وكان الطبيب يكذب علينا، اخبرنا بعد ايام ان حالتها ساءت وانها بحاجة الى حبة دواء من فرنسا سعرها الف دولار، دفعنا المبلغ، بعدها اطلَعنا انها تحسنت بنسبة 25 في المئة، وانها بحاجة الى خمس ابر من فرنسا كل واحدة بخمسمائة دولار، اعطيناه المبلغ، لكن بعد اسبوع توقف عن كذبه وأعلن وفاتها”.

 

قرار نقابة الاطباء
تقدم والد سلام، نهاد نصر، بشكوى الى نقابة الاطباء ليصدر القرار بعد خمس سنوات بعدم وجود خطأ طبي “حصلت محاولة تسوية وعرضت اموال علينا، لكني رفضت ان اساوم على روح ابنتي”. لا تريد دوارة ووالد سلام سوى إظهار الحقيقة بعد ان يحاكم الطبيب محاكمة نزيهة، ولن يرتاحا قبل ان ينال من حرمهما من ابنتهما عقابه، قال نصر: “كيف لي ان استكين ومن ربيتها وفرحت بخطوبتها قبل تسعة اشهر من وفاتها رحلت بسبب خطأ طبي، لتغادر المنزل وتتركني ووالدتها وأشقاءها الثلاثة وشقيقتها قسرا”.

 

ادارة المستشفى ردّت
إدارة “المستشفى اللبناني الكندي” المعنية بالملف اصدرت بياناً بعد تحريك القضية جاء فيه ان ” الوفاة المطلوب إعادة نبشها وفتح تحقيق بها بعد 11 سنة على حصولها، جاءت نتيجة مرض عضال وكانت المريضة على اطلاع تام بخطورته”. واضاف البيان: “بناء على طلب عائلة المريضة آنذاك، أجريت تحقيقات مطولة من قبل الأطباء الأخصائيين والمراجع المختصة، أثبتت إنتفاء أي خطأ أو مسؤولية على الأطباء المعالجين، كما على المستشفى الذي في كل حال تنتفي طبيعيا مسؤوليته في العلاج، فالامل بفتح تحقيق جديد مع المستشفى لا يمكن أن يتم من قبل نقابة الأطباء ذات الصلاحية المحصورة”.

 

هدية والدتها
توفيت سلام في شهر تموز يوم عيد ميلاد والدتها، تقول دوارة والغصة تكاد تخنقها “قبل دخولها المستشفى اشترت لي هدية، صندوقًا خشبيًّا وضعت داخله ثلاث وردات حمر وزجاجة عطر سلمته الى قريبتي وطلبت منها احضاره الى المستشفى يوم عيدي. وحتى الآن كلما رأيت الصندوق اتذكر قبرها، الذي قصدته في “دار الطائفة” وفتحته بيدي بعد عام ونصف على وفاتها، بعد شكّي ان الطبيب لم يضع نربيشاً طبياً في رأسها فتأكدت انه يكذب، لا بل اخفى صوراً من التقرير، وها هو اليوم حر طليق”.
اذاً، قضية جديدة تنضم الى لائحة الأخطاء التي طلب وزير الصحة اعادة التحقيق فيها، فهل تبصر الحقيقة النور ويسود العدل؟