عرفت الفيدرالية كشكل من أشكال الحكم تكون فيه السلطات مقسمة بين حكومة مركزية رئيسية ووحدات حكومية أصغر ذات سيادة مستقلة لكل منها نظامها الدستوري والتشريعي والقضائي.

واعتمدت الحكم الفيدرالي دول عديدة على مستوى العالم أهمها الولايات المتحدة الامريكية والارجنتين واستراليا وكندا وغيرها ،واستطاع هذا الحكم أن يثبت جدواه في هذه الدول نظرا للأنظمة السياسية والقوانين الوضعية التي تحكم هذه الدول .

لبنانيا لم تلق دعوة العماد ميشال عون لتطبيق الحكم الفيدرالي كبديل عن النظام الحالي أذانا صاغية على الصعيد السياسي كونها تتعارض إلى حد كبير مع الكيان اللبناني والتركيبة اللبنانية القائمة على مبدأ الإتفاقات والصفقات من جهة، وتتعارض مع اتفاق الطائف الذي يعتبر بمثابة دستور لبناني غير قابل للنقض أو التعديل في الوقت الراهن من جهة ثانية. وفي حال اعتماد الفيدرالية فإننا سنكون أمام نظام سياسي جديد مخالف تماماً للنظام اللبناني الحالي والقائم على أساس اتفاق الطائف وهو نظام مركزي وبرلماني، وذلك يعني اعتماد نوع من التقسيم السياسي للكيان اللبناني مع وجود حكومة مركزية إلى جانب حكومات الإقليم التي تتمتع بصلاحيات سياسية وتشريعية وتنفيذية واسعة.

وتأتي دعوة العماد ميشال عون للحكم الفيدرالي لأسباب تتعلق بالعماد عون نفسه بالدرجة الأولى وهي أشبه بالمناورات السياسية التي يطلقها عون بين الفترة والأخرى والتي يشاء من خلالها التعبير عن امتعاضه من الحالة السياسية التي يعيشها التيار الوطني الحر، كما تأتي دعوة عون أيضا لأسباب سياسة عديدة تبدأ داخليا وتنتهي بالتطورات التي تشهدها المنطقة المحيطة بلبنان .

ورأى البعض في دعوة العماد عون للفيدرالية مناورات للضغط على خصومه السياسيين ومنهم بالدرجة الاولى تيار المستقبل لمحاولة الوصول إلى الأهداف والغايات السياسية التي يسعى إليها عون، والمتعلقة بشكل أساسي برئاسة الجمهورية وقيادة الجيش، إلا أن هناك عوامل داخلية أخرى تتعلق بحقوق المسيحيين كانت وراء دعوة العماد عون للفدرلة وكذلك عدم الرضى العوني الكامل عن اتفاق الطائف .

وانطلق العماد عون في دعوته تلك لاعتباره ان النظام اللبناني الحالي في طريق التفتت وأن من الخيارات المتاحة كبديل عن النظام الحالي هو الحكم الفيدرالي في الوقت الذي لم يجد فيه المسيحيون في اتفاق الطائف حقوقهم الكاملة . وشاءت الظروف الإقليمية المحيطة ان تساعد العماد عون في خيار الفدرلة وذلك نظرا للإنقلابات المتسارعة التي تحصل في المنطقة والتي أدت إلى ذوبان هويات وصعود اخرى نظرا لحالات الإقتتال الطائفي والمذهبي التي تعيشها المنطقة ابتداء بسوريا مرورا بالعراق واليمن وغيرها . إن هذه العوامل ومع الفوضى العارمة التي تعيشها المنطقة ومع بروز دعوات التقسيم في كل من سوريا والعراق تحديدا أدت الى مضي العماد عون في دعوته الى الحكم الفيدرالي انسجاما مع المتغيرات التي تحصل في المنطقة والتي تؤثر بشكل كبير على الوجود المسيحي في المشرق العربي، ولذلك ربط العماد عون طرحه الفيدرالي بحقوق المسيحيين بالدرجة الأولى .

ومع دعوة العماد عون للحكم الفيدرالي فإن العديد من القوى والاحزاب اللبنانية ترفض بشكل قاطع هذه الدعوة وتعتبرها نوعا من أنواع التقسيم الذي بدأت ملامحه تتشكل في المنطقة، ولكن بين دعوة العماد عون للفيدرالية ورفضها من قبل مكونات سياسية أخرى ثمة واقع سياسي وجغرافي جديد قد تشهده المنطقة وثمة متغيرات سياسية تتشكل في العديد من الدول المحيطة ، فهل يكون لبنان جزءا من هذه المتغيرات ؟