"حزب الله" أقدَم على تسريب الشريط الرهيب لانتهاك عناصر من قوى الأمن الداخلي أجساد وكرامات مسجونين إسلاميين في سجن رومية. فلنوافق مع الوزير أشرف ريفي على ذلك. ويمكننا أيضاً أن نتفهّم توضيح الوزير نهاد المشنوق لجهة أن اتهام ريفي "حزب الله" هو سياسي بانتظار نتائج التحقيقات.

 

لكنّ سؤالاً يستدرجه تفاوت دعاوى الوزيرين، هو هل من أقدَم على تصوير فعل التعذيب وعلى تسريبه هو شريك بالانتهاك؟ ذاك أن فعلته في نهاية المطاف، أفضَت إلى محاسبة المنتهكين، أو محاسبة بعضهم. وبهذا المعنى سيكون اتهام "حزب الله" بالوقوف وراء تسريب الشريط، بمثابة هدية للحزب، فهو من تسبب بإثارة الرأي العام حول جريمة ارتكبت في السجن.

 

خصوم "حزب الله" يجب أن يتردّدوا في نسب تسريب الشريط له، ويبدو أن نقل النقاش من فعل التعذيب إلى فعل التصوير أو التسريب مسألة "مستقبلية" داخلية، أمّا بالنسبة للرأي العام اللبناني أولاً، وللمنتهكة كراماتهم وأجسامهم من المسجونين وأهلهم ثانياً، فيبقى أن ثمّة من أقدم على ما أقدم عليه، ولهذا الأمر تبعات وارتدادات جعلتنا نعاين بأم عيننا ما يمكن أن تمارسه أجهزة أمنية ندفع رواتب عناصرها من ضرائبنا. وإذا كانت للتصوير والتسريب وظيفة في ما يخص الرأي العام، فهي وظيفة إيجابية، أفضت إلى فضح المرتكبين.

 

ربما كان مفيداً هنا التمييز الذي أقامه الوزير نهاد المشنوق بين العقوبات المسلكية والعقوبات الجنائية التي من المفترض أن يتعرض لها المرتكبون. من أقدم على التصوير هو في أسوأ الحالات ارتكب خطأ مسلكياً، ذاك أنه أقدم على فعل لا يجيزه له القانون، كما أنه لم يُبلغ السلطات بما رآه وعاينه، أما من أقدم على فعل التعذيب ففعلته جناية، وبهذا المعنى، وبما أننا سلمنا مع الوزير ريفي بأن "حزب الله" هو من سرّب الشريط، يبقى أن الحزب وظّف خطأً مسلكياً في صراعه السياسي مع "المستقبل" وهذا ما تتيحه أشكال المنافسة السياسية وأطرها الطبيعية، أي أن تستثمر في خطأ خصمك.

 

يطرح هذا النقاش تساؤلاً آخر راود كثيرين في ظل تبادل المسؤوليات عمّا جرى في رومية: في حال لم يتم تسريب الشريط المصوّر، هل كنا سنعرف بما جرى للضحايا؟

 

كثيرون قالوا إننا جميعاً سمعنا بممارسات في السجون، وإن الشريط لم يأتِ بجديد على هذا الصعيد، سوى أنه وضعنا أمام ما كنا نتهرّب من مواجهة أنفسنا به. هذا الجواب صحيح، لكنه يهمل مسألة جوهرية تتمثل في أنه لولا وجود الشريط المصور لما تمت محاسبة مرتكبين بأسمائهم ووجوههم ولما دُفعت أثمان سياسية وأخلاقية على فعلة تخلو من السياسة ومن الأخلاق.

 

لولا وجود الشريط لبقي انتهاك الأجسام والكرامات حكايات تحتاج إلى من يُحققها ويُثبتها. وهذا سبب كافٍ لكي يتردد خصوم "حزب الله" في اتهامه بالوقوف وراء تسريب شريط العار.

 

المصدر: ناو