قليلة جدّاً هي العبارات المكتملة المعنى في الدفاع عن الحزب الشيوعيّ اللبنانيّ وقراره حمل السلاح ودفع مقاتليه إلى حيث يقاتل حزب الله.

 

العبارات التي دافعت عن ذاك الموقف كانت في معظمها من نوع: الحزب الشيوعيّ يعود إلى موقعه الطبيعيّ، أو أنّه، كحزب مقاتل، لا يمكنه إلاّ أن يشارك في واحدة من معارك المصير، وهي بالطبع كثيرة ودائمة، أو أنّ الشيوعيّين هكذا، خُلقوا للنضال.

 

وحتّى حين كان يُذكر التكفير الظلاميّ، معطوفاً على إسرائيل، كان الذكر يأتي مكتفياً بذاته وأقرب إلى إشارة كوديّة لا تتطلّب أيّ تفسير سياسيّ وراهن للمعركة المقصودة ولظرفها وإملاءاتها المفترضة.

 

وهذه "التفسيرات" لم تزدها إلاّ وضوحاً مقالة الأمين العامّ للحزب الشيوعيّ السيّد خالد حدادة كما نشرتها جريدة "السفير". فهو طالب سائر اللبنانيّين بألاّ يتدخّلوا في مسائل لا تخصّهم من نوع: أين يتدرّب الحزب وكيف يتسلّح!

 

إذاً، الغابة التي افتتحها حزب الله باقية وتتمدّد هي الأخرى.

 

لكنْ كيف نفسّر هذا الشعور بالتشبّع التأويليّ الذي يُحدثه مجرّد ذكر السلاح أو القتال، بحيث يغدو الوصف كامناً في اسم الموصوف نفسه. فذكر الله لا يحوجنا إلى ذكر صفاته المحبّبة والسامية، واسم الشيطان لا يستدعي ذكر صفاته البشعة.

 

فنحن، منذ سنوات لم تعد قليلة، نكتفي بتعبير "شاعر مقاتل"، أو "فنّان مقاتل"، قاصدين إصدار حكم بالغ الإيجابيّة على شعر الشاعر وفنّ الفنّان. ذاك أنّ القتال بذاته هو ما يفيض نوراً على سواه فيحسّنه ويجمّله، ما ينمّ عنه تعبير "ثقافة المقاومة" التي تكبر وتزدهر من دون أيّة حاجة إلى شعر أو رسم أو موسيقى... أو كتب!

 

ومن دون أن يستعان بعلم النفس ورمزيّاته في ما خصّ السلاح والبنادق، يبقى مستغرباً أن يدوم عشق السلاح وأن يتصاعد، على رغم هذا العنف الهائل المحيط بنا والمتصاعد حولنا، بدل أن تظهر حركات سلميّة وباسيفيّة تؤكّد على الحياة المدنيّة ورفض العنف.

 

وفي مقابل المطالبة المزمنة بنزع كلّ سلاح ما خلا سلاح السلطة الشرعيّة اللبنانيّة، نجد من يضيفون أسماءهم إلى قوائم حاملي السلاح من دون أن يحوجهم الأمر إلى أيّ تعليل.

 

والحال أنّ هناك في تركيبنا الأهليّ، وفي علاقاته التناحريّة، ما يستبعد بلوغنا الإشباع في ما خصّ العنف. وهذا ما نكتشفه حتّى في المناسبات غير السياسيّة، حيث تلتهب السماء وتدوّي الأصوات الناريّة في الأعراس أو عند إعلان أسماء التلامذة الذين نجحوا في الامتحانات الرسميّة. فكيف حين ينضاف إلى ذاك التركيب غير المتصالح تراكمٌ من الثقافات السياسيّة المتعاقبة التي لا تحفل بغير العنف والشهادة والبطولة وما سوى ذلك من قيم تعيد تذكيرنا بأنّنا نقيم في الغابة التي يهفو إليها السيّد حدادة!