رمضان ... عندما تعبد الشاشات ؟!

 

إقترن شهر رمضان "استراتيجياً " بفوضى المسلسلات ، ليصبح إنتظار هذا الشهر لا للعبادة ولا للتقرب من الله وإنمّا لمتابعة ما ستعرضه الشاشات ، ولا سيما تلك المسلسلات المقسمة على أكثر من جزء مثل " باب الحارة " ...

فيكون الشوق من رمضان لأخيه ، هو شوق الأحداث الدرامية التي إنفصل المشاهد عنها طيلة عام .

 

قبل هذا الشهر الفضيل بعدة أيام تبدأ تكهنات الشعب ، فتسمع من العبارات ما يقول : "صحيح معتز بدو يتزوج يهودية  " ، " هيفا دخلكن كيف حتطل السنة " ، " سمعتوا أحلا خبر سيرين وعابد بمسلسل جديد " ، " عم بقولوا مسلسل تشيللو لسا أحلا من لو " ....

وهلم دواليك ، كل الحوارات تنتهج هذا السياق الدرامي ، والذي غذته الشاشات بعرضها "أفشة تصويرية" من المسلسلات التي أخذت حق عرضها الحصري ...

 

ماراثون المسلسلات الرمضانية إنطلق رسمياً البارحة ، وكان التوقيت المثالي لأغلب المتسابقين هو بعد الإفطار ، ليغيب العديد من المسلمين عن المساجد ، فتؤدى الصلوات في البيت بسرعة قياسية ، ويهجر القرآن ، ويصبح التلفاز هو الشغل الشاغل ، متنقلين من قناة لأخرى ، والعين على الأحداث والفم مشغول بما لذ وطاب من الموالح والحلويات ...

 

 

صورة لا تشبه رمضان لا من قريب ولا من بعيد ، فكأنه تمّ تحجيم هذا الشهر ليكون "شهر بطون" ، وليختزل الصوم من مفهومه الروحاني لمفهومه المادي ألا وهو الحرمان من الطعام والشراب ، فنرمين تعتبر أن جلوسها أمام التلفاز لساعات هو " لتضييع الوقت " ، وتعلق : "طيب النهار طويل بدي اتسلى تلفزيون وانترنت "

وعن العبادة تقول : " اي عم صلي وعم صوم شو بدي ضل طول النهار عالمصلاية "

 

نرمين تتابع عدة مسلسلات فقط  ، والباقي ستعيد مشاهدته بعد رمضان ، فهي لا تستطيع مشاهدة الكل ، حيث أنّ الأسماء التي تشارك في السباق الدرامي والكوميدي و ...  أكثر من ساعات هذا الشهر ومنها : 24 قيراط ، تشيللو ، باب الحارة ، مولد وصاحبه غايب ....

هذه العناوين وغيرها ، تتصدر قائمة الوجبات الرمضانية التي تقدمها الشاشات ، مسلسلات بكافة النكهات وموجهة  لكل الأذواق ، محمد يقول ، " بفطر وبشعل سيجارة وببلش شوف شو عارضين السنة " ، وعن الصلاة وسائر العبادات ، يعلق " اي شو بدا الصلاة كلها 5 دقايق وعم بقرا قرآن انا وعم صلي ، ليش معقدينا "

 

 

(ليش معقدينا) ، هي الكلمة التي سيطرت على شبابنا والتي أبدلت المفاهيم فحلّت الفوضى الدينية والأخلاقية ، رولا تقول : "هذه المسلسلات تسمم عقول أطفالنا وعقول الشباب ، منذ متى أصبحت الخيانة أمر مباح ومقبول "

وتستشهد : " ألا تذكرين مسلسل لو ، لقد تعاطفنا مع الخونة ضد الزوج ، هذا النوع من الدراما حطم القوانين الإجتماعية والأخلاقية "

 

نادر يعتبر الأمر "مسخرة" ويتابع ، " لا إحترام لهذا الشهر ، نوعية المسلسلات من فكرة لأزياء لأداء مشاهد حميمية ، لا تليق بشهر رمضان "

ويتساءل : " أين الرقابة ؟ منذ متى يسمح لهذه المواد أن تدخل بيوتنا وفي شهر رمضان ؟ "

ويضيف : " للأسف هي موجة مستحدثة منذ سنوات وما زالت تتكاثر كما الوباء "

 

نيفين تعتبر أن عليهم الفصل بين الشاشة والسينما وتقول : " ما يعرض بأغلبه يصلح لأفلام لا لمسلسلات تدخل بيوت المشاهد ، فالسينما أنت مخيّر بها وتذهب بإرادتك ، بينما المسلسل فهو يقتحم التلفاز ويفرض وجوده عليك وعلى عائلتك ، لذا لا بد من مراعاة هذا الفرق وتدارك هذا الخلط "

 

أما سامر يعتبر أنّ القيم تغيرت ليس على مستوى الشاشات فقط بل على مستوى العقول والأفكار ويقول : " ما كانوا قبل يخافوا من الله كانوا يستحوا من العبد ، بس هلأ لا خوف ولا حيا "

ويعلق : " شو وقفة على عهر الشاشات ، من ايمتى الناس بتفطر علني متل هلأ ، صار كل شي عادي وكل شي مباح " ...

 

  "صار كل شي عادي " هي الكلمة التي تختصر ما وصل إليه المجتمع اللبناني من أفعال لشاشات لعقول ، فالمصيبة ليست بـ "شاشة" ولا " رمضان" ...

 وإنما هي ، بالقيم والتقاليد ، وبالدين ،  حيث أننا قد جردنا العبادة من مفاهيم العبادة ...

 

لذا وفي سياق رمضان ، فإن كنا نعتبر هذا  الشهر "لحرمان الأمعاء " ، وإن كنا ننتظره للسهرات والمسلسلات ،  فالأفضل أن نفطر وأن لا ننهك المعدة بالجوع  ..

أو صيام بكل معاني الصيام ، أو كفانا خداعاً ، فالدين ليس مجرد أداء  !!