إذا كان الرئيس نبيه بري يوحي دوما ان «الجانب الاستراتيجي» في علاقته مع العماد ميشال عون محصّن بـ «بوليصة تأمين» تحمل ختم «خيار المقاومة»، إلا انه لا يتردد تحت هذا السقف في التعبير، تلميحا او تصريحا، عن خلافه مع الجنرال حول ملفات داخلية كثيرة، من بينها ما يتعلق بمصير موقع قيادة الجيش.
سريعا، اطلق بري معادلة براغماتية تصلح لمحاكاة كل الاحتمالات: «نعم لتعيين العميد شامل روكز قائدا للجيش، وإلا فالتمديد للعماد جان قهوجي إذا تعذر التوافق على البديل».
صارح بري الجنرال بهذه المعادلة، وهو الذي يدرك ان «تيار المستقبل» لن يسهل وصول صهر عون الى اليرزة، ما دام الاخير لم يتنازل عن طموحه الرئاسي.
ولعل الرئيس فؤاد السنيورة كان الأبلغ في تظهير موقف «المستقبل» من تعيين روكز، حين قال لقطب سياسي: «القضامة» لا تؤكل ببلاش (قاصدا ان ثمن القبول بروكز هو تخلي عون عن الرئاسة)، فأجابه القطب: ..و «السنيورة» كذلك؟
ويستغرب بري، كما ينقل عنه زواره، اصرار عون على اعتبار ان تأجيل تسريح قهوجي غير شرعي، وبقاءه في موقعه ليس قانونيا، قائلا: عام 1986 جرى تأجيل تسريح للواء (الراحل) محمود طي أبو ضرغم في موقع رئيس الاركان لأربع سنوات، في عهد الرئيس أمين الجميل، بعد أخذ رأي قائد الجيش ميشال عون آنذاك، وأنا لدي نسخة عن القرار.. فكيف يكون المبدأ آنذاك شرعيا ولا يكون كذلك اليوم؟
وتعليقا على قول عون ان المجلس العسكري الحالي غير شرعي أيضا، يشير بري الى انه بعد تشكيل الحكومة العسكرية برئاسة عون من أعضاء المجلس العسكري الستة، في نهاية عهد الرئيس الجميل، سارع الاعضاء المسلمون الثلاثة الى الاستقالة، ومع ذلك اعتبر الجنرال في حينه ان المجلس لا يزال شرعيا، فلماذا هذه الازدواجية في المعايير بين الماضي والحاضر؟
ويوضح بري انه كان قد نصح بعض نواب «التيار الوطني الحر» الذين يشاركون في لقاءات الاربعاء في عين التينة بعدم حرق المراحل وفتح ملف تعيين قائد جديد للجيش منذ الآن، لافتا الانتباه الى ان هناك قاعدة أساسية وبليغة في الحياة والسياسة يجب التمسك بها وتقول ان «مَن استعجل الشيء قبل أوانه.. عوقب بحرمانه».
وينبه بري الى ان تعيين قائد للجيش قبل ثلاثة اشهر من انتهاء خدمة قهوجي يعني اننا سنكون امام قائدين في الوقت ذاته، الامر الذي سينعكس بلبلة واضطرابا في صفوف هذه المؤسسة العسكرية التي تحتاج الى الثبات والاستقرار في مواجهة الارهاب، إلا إذا كان المطلوب اتخاذ قرار بإقالة قهوجي من موقعه، وهو أمر لا أجد له أي مبرر او مسوّغ.
ويتابع: «لا علم لي بان قهوجي ارتكب خيانة او خطيئة، بل العكس هو الصحيح. وللأمانة اقول ان الرجل اتخذ احيانا قرارات قد لا تتناسب مع ما يريده فريق 8 آذار، وتبين لاحقا انها كانت سليمة. وعلى سبيل المثال، فان تصرفات أحمد الاسير وانصاره في صيدا كانت تستفزنا كثيرا، كما كانت تستفز الجيش، لكن قهوجي اختار التوقيت المناسب لمواجهة هذه الظاهرة ووضع حد لها، بعدما حصل على الغطاء السياسي اللازم، وهذا ما فعله أيضا في طرابلس، لان الوحدة الداخلية هي أهم سلاح في مواجهة المخاطر والتحديات».
ويلفت بري الانتباه الى انه سبق له ان ابلغ عون تأييده تعيين قائد جديد للجيش وعدم اعتراضه على اسم العميد شامل روكز الذي يتحلى بالكفاءة والمناقبية، «لكن إذا تعذر التعيين، بسبب انتفاء التوافق، فلا مفر عندها من التمديد تحاشيا للفراغ الذي لا يجب ان نسمح له بالزحف الى المواقع الامنية والعسكرية».
ويشير بري الى ان المعطيات المتوافرة حاليا توحي بان الاتجاه في ايلول هو نحو التمديد لقهوجي، «لكن في كل الحالات يجب ان يُتخذ القرار النهائي، تعيينا او تمديدا، في الوقت المناسب وفق ما تقتضيه المصلحة العليا، أما الخوض المبكر في اشتباك سياسي حول هذا الامر فلن يكون مفيدا».
ويحرص بري على حماية الحكومة بـ «اللحم الحي» من تداعيات الخلاف المحتدم حول التعيينات الامنية، الى حد انه كان قد طلب من وزراء «حركة أمل» عدم مغادرة اي جلسة لمجلس الوزراء «حتى لو غادرها وزراء التيار الحر وحزب الله.. بل لو غادرها أيضا الرئيس تمام سلام».
وقال بري لوزرائه: «ممنوع عليكم ان تتركوا الجلسات إلا إذا أرادوا ان يقفلوا الباب عليكم».
ويؤكد بري انه يدعم سلام في إعطاء فرصة للمشاورات السياسية من أجل معالجة الشلل الحكومي وعودة الانتظام الى مجلس الوزراء، «لكن لا ينبغي ان تكون هذه الفرصة من دون سقف زمني، ولا بد من ان تستأنف الحكومة اجتماعاتها لاحقا، لانه ليس مسموحا ان يمتد التعطيل من رئاسة الجمهورية ومجلس النواب الى الحكومة. وإذا أصرّ وزراء التيار الحر في الجلسة المقبلة على عدم البحث في اي بند غير التعيينات الامنية، فهذا شأنهم، إنما إذا تعذر الوصول الى تفاهم حول كيفية مقاربة هذا الملف، فأعتقد انه ينبغي حينها الانتقال الى البنود الاخرى في جدول الأعمال».
ويشدد بري على انه يتفهم موقف «حزب الله» الداعم لعون على مستوى مجلس الوزراء، مشيرا الى ان علاقته بالحزب راسخة «وهي لا تستند فقط الى تحالف سياسي بل الى تناغم شخصي بيني وبين السيد حسن نصرالله، وحتى حين أتخذ موقفا مغايرا، في أحيان قليلة، أفعل ذلك انطلاقا من حرصي على الحزب وقناعتي بان ما اقوم به يخدم مصلحتنا المشتركة».

 عماد مرمل