تشهد أسواق طرابلس اليوم حركة واسعة ، فموسم رمضان هو "عيد" بالنسبة لهذه المدينة ، والإقبال يتزايد بالدرجة الأولى على المواد الغذائية والخضار واللحوم  ...

حيث أنّ مائدة رمضان ، لا تمر إلا بأصناف متعددة لتزدحم بما لذ وطاب .

 

من أول سوق الخضار لسوق التبانة ، تكاد لا تستطيع العبور ، أصوات الباعة ، مفاصلة المشترين ، وكثيراً ما تتكرر على مسمعك عبارة "رمضان كريم" ، في محاولة لإعتماد تسوية بين الطرفين .

 

 

البقدونس والبندورة والفجل والخس ، هم الأساسيات في السفرة الرمضانية ، فالمائدة لا تتزين دون "تبولة" أو "فتوش" ، أما الكبة النية فهي الطبق الملك واليومي ، و يضاف إليها الفتة والتي هي إفتتاحية الطعام ومن الرئيسيات ، وإسمها باللغة الطرابلسية "تسقية"  ليحلو معها الكبيس المخلل .

 

الإقبال اليوم في السوق يتزايد على "ورق العنب" و "البصل الأخضر"  أو مقادير "الكبة المشوية" ، فمن عادات طرابلس أن تفتح شهر البركة بواحد من هذين الطبقين .

كما على المخلل ، والذي يتم تحضيره منزلياً (تما يكون لا مملح زيادة ولا حلو ملح)  ، إضافة إلى الحمص والبقول والحبوب وسائر الأساسيات من سمن ولحم ... الخ .

 

مطابخ أهل طرابلس قبيل رمضان ، لا تخلو لا من شاردة ولا من واردة ، فكأنها "سوبر ماركت" مصغر ، فالثلاجات تمتلئ باللحوم المنوعة والأسماك التي تكفي الشهر كاملاً ، وخزانات المطبخ تمتلأ بكل مستلزمات الطعام بكميات هائلة ..

 

أميرة ، وهي أم لخمسة أبناء ، كانت في سوق العطارين محملة بالكثير من الأغراض ،  وعند سؤالها  لماذا كل هذه الكثرة بالتبضع أجابت : "هي من عادتنا أن نحضر كل المستلزمات قبل رمضان ، فلا نشتري بشكل يومي إلا الضروريات والتي  لا تخزن " .

أما عن حال السوق والأسعار تقول : " لا بأس مقبولة والحركة كثيفة (عم ضل ساعة عند البياع من الزحمة ) "

 

هلا ، وهي فتاة عزباء تتبضع لعائلتها ، تقول : "هناك إقبال شديد ، وعديد من الحاجيات لم أجدها اليوم لأنني تأخرت بالتسوق  "

وتعلق : " هو شهر البركة الله يرزق العالم "

 

أما البائعين فهم متفائلون بهذا الموسم ، نظراً للظروف السابقة التي مرّت بها المدينة ، فهذا يعتبر أول رمضان يقبل بسلام وطمأنينة ، حيث أنّ طرابلس قد عانت لعدة أعوام سابقة من حروب الجبل والتبانة التي دهورت الحالة الإقتصادية وحرمت الأهالي من بهجة المواسم الدينية وغير الدينية  ...  

وهذا ما يفسر الإقبال هذا العام وضجة الأسواق ، فما منعت منه المدينة سابقاً بمعارك الجبل وقادة المحاور تعمل على تعويضه الآن .

فوليد وهو بائع خضار يعتبره موسماً جيداً ويقول (الحركة ممتازة والأسعار مقبولة ) ، ويشير إلى أنهم افتقدوها بعدة رمضانات سابقة .

بينما محمود بائع لحوم فهو متفائل بهذا الإقبال ويعلق : (الحمد لله مش عم نلحق )

 

ورمضان في الشمال لا يعبر فقط على أصحاب الطبقة الوسطى ، فللفقراء حظهم من المونة المعيشية ، حيث أن المساجد والمؤسسات  والجمعيات وفاعلي الخير من طرابلس ومغتربيها يوزعون الإشاعات التي تحتوي كل المستلزمات على أصحاب الأحوال الضيقة ..

 

إلا أنّ هذه المبالغة في التسوق أفقدت الشهر روحه الإيمانية ، حتى كدنا ننسى أو بالأحرى نسينا أن رمضان هو شهر الطاعة والعبادة والتصوف نوعاً ما ، وغرقنا في التبذير والإفراط  بتنويع المأكولات بهدف المغالاة لا أكثر ...

فلو فهمنا جوهر هذا الشهر الكريم ، لما إزدحمت أسواقنا ولإزدحمت المساجد عوضاً عن ذلك !

وعلى الرغم من مباركتنا للحياة التي تشهدها الأسواق في هذه المرحلة غير أننا لا نحبذ أن يتحول شهر البركة لشهر البطون والمعدة ..