بدعوة من مركز القدس للدراسات يعقد في اوتيل جفينور روتانا في بيروت يومي 15 و16 حزيران مؤتمرا تحت عنوان " نحو ديمقراطية توافقية في العالم العربي" ، ويأتي هذا المؤتمر في سياق ما تشهده المنطقة العربية من عوائق وتحديات تواجهة عمليات الانتقال إلى الديمقراطية، لعل أهمها على الإطلاق، تفاقم الانقسامات المجتمعية من مذهبية وطائفية وقومية وإيديولوجية، والتي أدت من ضمن ما أدت إليه، إلى إخفاق تجارب "الحوار الوطني" و"احترام الآخر" و"قبول التعددية" و"بناء التوافقات" وتفشي نزعات الهيمنة والإقصاء والإلغاء، التي تمارسها قوى وتيارات سياسية واجتماعية، بعضها ضد البعض الآخر.

وتتخذ هذه الانقسامات أشكالاً تختلف باختلاف الظروف والبيئات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بين الدول والمجتمعات العربية، ففي حين يطغى الانقسام المذهبي على غيره من الانقسامات في دول مثل العراق وسوريا ولبنان والبحرين وبعض دول الخليج، نرى الانقسام الرئيس يتخذ شكل صراع محتدم بين الإسلاميين والعلمانيين في كل من مصر وتونس والمغرب والأردن وفلسطين.

وتزداد تحديات الانتقال إلى الديمقراطية تعقيداً، مع بروز النزعات والهويات الثانوية في العديد من هذه الدول، ففي دول مثل اليمن والأردن وسوريا والعراق وليبيا، تبرز "القبيلة" كلاعب رئيس على المسرح السياسي، وفي دول مثل لبنان وسوريا والعراق والبحرين واليمن والخليج عموماً، يلعب الانقسام بين المذاهب الإسلامية دوراً معرقلاً لمسارات التحول الديمقراطي، وفي دول مثل العراق وسوريا والمغرب تلعب "الأقليات القومية" دوراً متفاوت الأهمية في تقرير وجهة تطورات الأحداث، وفي مصر ولبنان وسوريا والعراق، تلعب الانقسامات "الطائفية" دوراً لا يقل أهمية وخطورة.

وإلى جانب مختلف هذه الانقسامات المجتمعية، يتفاقم الصراع في مختلف المجتمعات والدول العربية، بين قوى إسلامية (الإخوان المسلمون والسلفيون وغيرهم) من جهة والقوى المدنية والليبرالية واليسارية والقومية (العلمانية) من جهة أخرى، ويتخذ هذا الصراع أشكالاً ومستويات متفاوتة من الحدّة والتفاقم، نظراً لاختلاف مستوى تطور الحياة السياسية بين الدول والمجتمعات المذكورة.

إن ما تشهده دول المنطقة ومجتمعاتها في مناخات "الربيع العربي"، هو النتيجة الحتمية لفشل الدولة الوطنية العربية الحديثة، في تحقيق التنمية البشرية المستدامة وإرساء قواعد الحكم الرشيد وتعميم ثقافة "المواطنة المتساوية" وإشاعة قيم الحوار والتسامح والعيش المشترك والاعتراف بالآخر، وتنشيط الحياة السياسية والحزبية والمدنية، وبناء المؤسسات الحديثة وتفعيل سيادة القانون، ما أفضى في نهاية المطاف إلى تجويف المجتمعات العربية من البنى الحزبية والمدنية، واختلال العلاقة بين المواطن والدولة بمختلف مؤسساتها، وانكفاء المواطنين إلى "هوياتهم الفرعية" من دينية ومذهبية وقبلية، السابقة لنشوء الدولة الحديثة.

ومن نتائج هذا الفشل (فشل الدولة الوطنية الحديثة)، أن معظم دول المنطقة ومجتمعاتها، شهدت خلال السنوات الخمسين أو الستين الفائتة، أعنف عمليات الإقصاء والإلغاء، حيث تبادلت مختلف التيارات القومية واليسارية والإسلامية الاقصاء المتبادل.

إن الخلاصة المترتبة على تجارب السنوات الأخيرة لدول الإقليم، تؤكد أن الانتقال إلى الديمقراطية غير ممكن من دون "بناء التوافقات الوطنية" وتعميم ثقافة الحوار واحترام الآخر وقبول التعددية ومشاركة جميع المكونات ... ففي

مجتمعات منقسمة على نفسها توفر "الديمقراطية التوافقية"، شبكة أمان لهذه المجتمعات، وبخلاف ذلك، ستبقى التيارات السياسية والفكرية والمكونات الاجتماعية، تتبادل عمليات الإقصاء والإلغاء و"تصفية الحسابات"، وبما يفضي للفوضى وإراقة الدماء وتعطيل مسارات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والإصلاح السياسي.

ويهدف مركز القدس من خلال تنظيم هذا المؤتمر الى انجاز اعلان مبادئ حول " التوافقات الوطنية طريقنا لانتقال سلس وآمن للديمقراطية"، يلحظ المشتركات والخصوصيات في تجارب دول الإقليم، وأسباب تعثر عملية الانتقال للديمقراطية ورسم ملامح "خريطة الطريق" للخروج من استعصاء التحول الديمقراطي في هذه المنطقة.

ويشارك في المؤتمر شخصيات تثمل مروحة واسعة من الكيانات السياسية والفكرية الفاعلة في دولها ومجتمعاتها، إضافة إلى برلمانيين و قادة أحزاب سياسية، من تونس، المغرب، مصر، العراق، والاردن، البحرين، اليمن، لبنان، الجزائر، وسوريا.