لطالما كانت لقمة الفقير هي سلاح يتحارب به الشمال ، ولطالما عومل فقراء طرابلس من قبل القوى الأمنية بلا رحمة ولا إنسانية ...

واليوم تمظهر الأمر بصورة ، هي صورة بائع الفجل ، التي غزت مواقع التواصل الإجتماعي معبرة عن أوجاع شعب كامل وعن أنانية دولة غرقت ببحر الدويلة ، فهمشت شمالها !

هي حالة رصدتها الكاميرا ، وقبلها حالات كثر ، وبعدها هلم جرا ....

 

مشهد الفجل المترامي على الأرض ، قريب من قصة "الشاويش وبائع الأشلميش" ، الذي صودرت بضاعته في حينها مع ضجة إعلامية سرعان ما انخمد وهجها لأن بطل الرواية "فقير من الشمال" ...

 

وبين الرزق المرمي للتراب ، والرزق المصادر ، يبقى أنين "البائع" هو الجامع المشترك ، البائع الذي يعتبر كل ما على هذه البسطة "ثروته" ، وهي ثروة تساوي قروشاً بخسة بنظر رجال الأمن الذين لا يحملون عبء اللقمة اليومية ولا عبء الصحة ، فمعاشهم يتخطى المليون ، وبطاقتهم الصحية تقيهم من فواتير العيادات .

ولا تساوي شيئاً في أرصدة الزعامات ، الذين لا يعلمون معنى "العشرين ألف " التي تساوي غلته ، ولا يدركون غصة "المعتر" ، والحق معهم ، فهم تكبر ثرواتهم من دماء هؤلاء البائعين ، ولو أعطوهم حقوقهم لما كان هناك من فقير .

وكيف ألومهم ، وهم في برجهم العاجي ، لم يحملوا يوماً همّ قسط مدرسي ، ولا دواء ، ولا فاتورة كهرباء ؟

 

هذه الصورة التي تداولها الناشطون ، هي طرابلس بوجهها "المتعب " وهو لبنان "بشعبه الفقير"  ، فهم كلهم اليوم بائع الفجل ، الذي يعاني الأمرين في سبيل إعالة عائلة "الله وحده يعلم كم عدد أفرادها" ، هو ليس مخالف للقانون ، ولا يحمل سلاح ، ولا صلة له بالإرهاب ، بسطته المخالفة هي "ليحيا" ولو أمنت له الدولة مورد يقيه الموت جوعاً والتشرد في ظل الإيجارات الخيالية لما إتجه لبسطة منعتها الدولة ، هي الدولة نفسها التي ترى المظاهر المسلحة والعلنية في عدة مناطق ، ولا تضربها بيد من حديد ،فاليد التي ترمي لقمة الفقير لتداس لا تجرؤ على مصادرة سلاح يخل بالأمان ...

بائع الفجل ، أياً كان إسمك ، جرمك يا صديقي أنك إبن الشمال أولاً وأنك من فقراء لبنان الكثر ثانياً ، ولا "زعيم " يحميك ، ولا سياسي ، يرفع الصوت دفاعاً عنك وعن حقك ، ذنبك أنك في دولة حكمتها الدويلة ، فأصبحت تطبق القانون " عناس وناس" ، ذنبك أنك لست مسلح ولا تابع لتنظيم ، ولا تيار ، ولا إنتحاري ....

وجرمك الأكبر ، أنك إنسان ، في بلد لا إحترام به للإنسان ....

 

إلا أنك اليوم يا صديقي ، أهم من "أكبر سياسي " ، والإحترام لك يفوق إحترامنا لهم "هذا إن وجدوه عندنا " ، أنت اليوم أيقونة الشمال ، وشرف وكرامة فقراء هذا الوطن ، والذي تساقط أرضاً ليس "الفجل" ـ بل "وجوههم الباردة " ، و سياساتهم الفارغة ، وخططهم الأمنية المفبركة ، وأنظمتهم الخرقاء ، كل هذا قد وقع أرضاً ، وبقيت أنت الشامخ ، لنقول لهم :

"إرحلوا عنا أنتم وأمنكم وأمانكم ، إن كانت العدالة على حساب فقرائنا ، فكافرون نحن بعدالتكم ، وإن كان الإستقرار سيسرق لقمتنا ، فتباً لهكذا إستقرار ، وإن كانت الدولة على "المعترين " فقط  ، فعذراً ، سنبني نحن أيضاً دويلة ...

هذا منطقكم ، وهذا ما تطبقونه على الأرض ، فلا تستعجبوا إن فهم فقراء لبنان اللعبة وأقاموا الدويلات الخاصة التي تحميهم وتكفل لهم الكرامة " .

 

وأذكركم يا أنتم أيضاً ، أن شرارة الثورات العربية بدأت "ببسطة" ، ألا وهي بسطة " بو عزيزي" الذي أحرق جسده اعتراضاً على ذل أحد عناصر القوى الأمنية له في تونس وعلى إهانة رزقه ومأكله ، لتكون نيرانه المعارضة بداية التغيير ؟!

لنتساءل هنا :

هل يكون بائع الفجل في طرابلس "بو عزيزي جديد" ، "بو عزيزي" يُخلق من الجوع اللبناني ومن اللقمة التي تسحب من حلق الشعب  ، وهل نشهد ثورة  ضد الإستخفاف بلقمة الفقير ، وإحتقار مصدر معيشته المتواضع ...

حذارى ، يا أولياء البلد ، حذارى ، فالكرامة تخلق الثورات ، والشعوب إن جاعت تحرق "ألأخضر واليابس" .