القتال الذي يخوضه حزب الله اليوم في جرود عرسال يبدو في الظاهر وكأنه تفصيل بسيط في لوحة الصراع على سوريا، الذي يزداد ضراوة، ويقترب يوماً بعد يوم من سيناريوهات يوم القيامة الموعود. مقاتلو الحزب الذين يقدر عددهم ببضعة آلاف يقومون في الظاهر بمهمة محددة هي تأمين منطقة متاخمة للحدود اللبنانية الشرقية، ومساعدة الجيش السوري في حماية خطوطه الاكثر حيوية الممتدة من دمشق الى الساحل السوري. وهم بلا شك جزء من  خريطة الحرب التي تغطي الجغرافيا السورية كلها، والتي طرأ عليها في الايام الماضية متغير استراتيجي بالغ الاهمية والخطورة هو الاعلان من دمشق وطهران عن وصول آلاف المقاتلين الايرانيين (والعراقيين) الى العاصمة السورية لحمايتها من الجهاديين السوريين. كادت الخطوة الايرانية الطارئة تمر مرور الكرام، باعتبار ان الوجود العسكري الايراني معروف ومعلن منذ بداية الثورة السورية، وهو كان يتخذ شكل خبراء ومستشارين عسكريين، ثم تطور الى ارسال مقاتلين "متطوعين"، حسبما تردد اكثر من مرة، مع ان تلك الصفة لا تصح على مواطني دولة باتت هي نفسها ترفض ان يتم تصنيف الحرس الثوري كميليشيا او حتى كوحدات تدخل خارجي. لان "الحرس" هي الجيش الفعلي والوحيد لايران، وكل ما عداه، من جيش نظامي وباسيدج، ليس سوى تلوينات على مشهد داخلي شديد الانضباط العسكري والامني. التزامن بين الاعلان عن هجوم حزب الله على جرود عرسال وبين الاعلان دخول القوات العسكرية الايرانية الى دمشق، لم يكن مجرد دليل ظرفي على وجود غرفة عمليات واحدة ، إيرانية-سورية، تدير المعركة على مختلف الجبهات في سوريا، وتركز الان على وسط سوريا وعلى العاصمة دمشق التي أعلنها المقاتلون السوريون هدفهم المقبل. ثمة توغل عسكري إيراني  في الداخل السوري هو الاوسع نطاقاً حتى الان، وهو يعد على الارجح أكبر إنتشار عسكري إيراني بعيد عن الحدود الايرانية، منذ حرب الخليج الاولى في ثمانينات القرن الماضي.. اذا ما استثني الانتشار الايراني المتكرر داخل الاراضي العراقية والذي لم يعد يتخذ شكل خرق للحدود المشتركة بين البلدين، اللذين أزالا العلامات الحدودية في اكثر من منطقة.    هي حتما أبعد عملية تدخل إيراني خارج الحدود، اتخذ القرار بتنفيذها على عجل، وتعمدت دمشق وطهران الاعلان عنها لرسم خط أحمر حول العاصمة دمشق، وحول النظام السوري الذي يتهاوى تحت ضربات معارضيه. وإذا ما أضيفت هذه الخطوة الى ما ذكر عن وصول وحدات عسكرية ايرانية الى منطقة الساحل السوري، يمكن الحديث عن أن إيران التي سبق أن المحت اكثر من مرة الى استعدادها لارسال مئات الالاف من مقاتليها الى سوريا، قررت ان الوقت قد حان لكي ترمي بثقلها العسكري الكامل في الحرب، وتتولى بنفسها مهمة القيادة والادارة، العسكرية وتاليا السياسية، للصراع على سوريا. من وجهة نظر طهران يمكن ان يوضع هذا التدخل العسكري الايراني الواسع في سوريا في سياق الرد المسبق على الهزيمة الايرانية المرتقبة في اليمن عندما ينعقد الحوار الداخلي على خلفية انكفاء الحوثيين وانتهاء مشروعهم التوسعي وينفك حلفهم مع الرئيس السابق علي عبد الله صالح، وعندما ينفتح الحوار مع اميركا على الملفات غير النووية، واهمها سوريا ولبنان بما هما ركيزة اساسية للنفوذ الايراني في الاقليم وعلى خطوط المواجهة مع اسرائيل. تحاول ايران الان ان ترسم خطوطها الاقليمية الحمراء، التي لا تحد فقط بعلويي سوريا وشيعة لبنان. لكنها تخاطر بالاثنين معاً. سيناريو التدخل العسكري لن يكون من طرف واحد. هو لم يكن كذلك يوماً. قدرة الاقليتين على الصمود، وربما البقاء في مرحلة لاحقة، محدودة جدا في ظل هذا المستوى من التعبئة التي لا تغفل صفحة من كتب التاريخ المشين. معركة دمشق تقترب. يوم القيامة يدنو.