من يقول "إن التوريث السياسي حكر على البلدان الخليجية، نظرا للحكم الملكي الذي تتمتع به" فهو مخطىء، ومن يعيش في لبنان يدرك تمامًا أن الديمقراطية ليست سوى حبرا مكتوبا في الدستور اللبناني. فإن أردنا إطلاق تسمية على نوع النظام اللبناني ليس هناك أفضل من الديمقراطية المحكومة والتي كما عرفها جورج بودرو بأنها "نظام تتوفر فيه كل الأشكال الدستورية التي تسمح بإسناد قرارات الحاكمين إلى الشعب المحكوم: الحرية الفردية، الاقتراع السري العام، الإنتخابات الدورية و المجالس النيابية.. إلى آخره" و مع ذلك لا تكون قرارات الحاكمين، المسندة دستوريًا إلى الشعب معبرة عن الإرادة الشعبية الحقيقية

والأمر المضحك المبكي في لبنان أنه ننظر إلى أنظمة الخليج باستهزاء باعتبار أنه يتم تحديد ليس فقط ولي العهد إنما ولي ولي العهد ودون أن نشعر "بالشفقة على أنفسنا"، نتعاطف مع سكان هذه الدول، ولو انتبهنا لوضعنا لوجدنا ان لقب الحاكم صفة يستحق أن نطلقها على كل سياسي في لبنان..

فمن آل الحريري إلى الزعامة الجنبلاطية وصولا إلى آل الجميل وآل فرنجية وباقي السياسيين،الذين وصلوا إلى التوريث السياسي لأبنائهم، أو الذين لا زالوا يسعون لذلك، نجدهم ينادون بالحرية وبالحقوق وبإعطاء الفرص لجيل الشباب في لبنان، لنجدهم قبل أن يتنحوا عن عروشهم الوزارية أو النيابية يورثون أولادهم..

وربما إن تعمقنا في الجذور العائلية لنوابنا ووزرائنا نجد المناصب قد آلت إليهم بالوراثة. وربما أكثر ما قد نلاحظه أنها موجودة عند كل الطوائف عدا الشيعة التي أورث عدد قليل من قياداتها في الماضي وفي الوقت الراهن لا توريث للزعماء الشيعة، لكن نلفت النظر إلى أن التفرد بالحكم نوع من الوراثة فرئيس مجلس النواب نبيه بري لا زال متربعا على كرسي مجلس النواب منذ عام 1992 ولا زال حتى الآن، أما الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله استفرد بالأمانة عندما تسلمها علمًا أنه في عهد أول أمين عام لحزب الله "الشيخ صبحي طفيلي"، كان هناك قانونًا ينص على أنه لا يستطيع أن يستأثر أي أمين بالأمانة أكثر من ولايتين، وهذا ما معناه أن الشعب اللبناني لديه واقعين لا مفر منهما إما ديمقراطية محكومة وإما تفرد بالحكم.

من هنا نستطيع أن نتوجه بالقول لبعض السياسيين الذين ينادون بديمقراطية وحرية الشعوب الخليجية، أن هذه البلدان لا حرج عليها لأنها وبكل بساطة معروفة بالنظام الملكي الذي من قواعده التوريث، أما من عليه أن يتصرف بضمير صاحٍ تجاه مواطنيه هو أنتم، لإعطائهم حريتهم السياسية المقيدة ولإفساح المجال لمناصريكم من أصحاب الكفاءة والخبرة بتولي مناصبكم، فقاعدة "أنا رئيس ناجح وإبني رح يكون متلي"، لا يمكن حسمها وتأكيدها.

والجدير ذكره هنا أن هذه الديكتاتورية منافية أيضا للعدالة الإجتماعية التي ندعي أنها موجودة فنجد أن بعضهم يبعث الأمل في قلوب مناصريه بأنهم سيصلون يومًا ما إلى ما وصل إليه الرئيس وبأن الكفاءة والإخلاص مهمين ليتفاجأ التابع أنه ورث إبنه الذي بدوره سيورث إبنه أيضًا.

فكفانا مناداة بديمقراطية وهمية وكفانا قولًا أن لدول الخليج نظام قائم على التوريث وهذا أمر نستغربه لأنه في النهاية لا فرق بيننا وبينهم سوى أن الخوف من الفراغ والتناحر على العرش الملكي داخل العائلة الملكية يفرض عليهم تحديد الملك المقبل، لكن السؤال ما هو الذي يدفع بسياسيينا إلى توريث أبنائهم؟