لا يختلف إثنان على أنّ الجنرال ميشال عون والدكتور سمير جعجع هما المرشحان الرئاسيان الأكثر تمثيلاً عند المسيحيين، وأيّ إستفتاء على الصعيد المسيحي سيأتي بهذه النتيجة حتماً، وبالتالي، يصبح الإستفتاء لمعرفة من هو الأول والثاني لزوم ما لا يلزم، والجنرال عون يعرف ذلك تماماً، لكنّه يرفض خوض غمار هذا الإستحقاق في مجلس النواب كما ينصّ الدستور، قبل أن يضمن وجود أكثرية نيابية تؤيد وصوله إلى سدّة الرئاسة الأولى .

ومبادرته لتعديل الدستور من أجل إنتخاب الرئيس من الشعب، لم تأتِ بهدف تطوير الدستور وتحديثه، أو رغبةً منه بإشراك الشعب بهذا الإستحقاق مباشرةً، بل أتت بعد فشله في إقناع الأكثرية النيابية بإنتخابه رئيساً للجمهورية، وهذا المبادرة هي واحدة من محاولات الجنرال الحالم بحمل لقب رئيس الجمهورية اللبنانية ولو ليوم واحد .

والمبادرة العونية التي تتضمن إستفتاءاً مسيحياً في المرحلة الأولى يتمّ بموجبه إختيار الشخصيتين الأكثر تمثيلاً، ثمّ إستفتاء آخر على الصعيد وطني في المرحلة الثانية بين المرشحين الأولين، ومن يفوز، يتم تثبيت إنتخابه رئيساً للجمهورية في مجلس النواب، هذه المبادرة أقلّ ما يقال عنها أنها هرطقة وعبث بالدستور وتعدٍ على صلاحيات مجلس النواب، بهدف الوصول إلى سدّة رئاسة الجمهورية ولو على جثّة الجمهورية برمتها.

الجنرال عون بمبادرته هذه، قسّم اللبنانيين إلى فئتين، فئة يحق لها أن تصوّت مرتين، وفئة تصوّت مرّة واحدة، وهذا تمييز عنصري يتناقض مع مبدأ المساواة بين اللبنانيين المنصوص عنه في الدستور، ثمّ أنّ الجنرال عون يريد أن يستغلّ تحالفه مع حزب الله، وإستخدام التفوق العددي لحلفائه، من أجل الوصول إلى رئاسة الجمهورية، وهذا ضرب للمناصفة التي يؤدي المسّ بها إلى سقوط إتفاق الطائف والذهاب مجدداً إلى حرب طائفية ومذهبية، سيكون الجنرال عون وأعوانه من أوائل المحرضين عليها والهاربين منها.

هذا الجموح إلى السلطة عند الجنرال عون، قاده في السابق إلى مغامرات وحروب عبثية مدمرة، وهذا الجموح نفسه إذا لم يتم لجمه، سيقوده إلى المغامرة مرّة أخرى والمقامرة بمصير لبنان واللبنانيين، والجنرال عون مشهور بقدرته الفائقة على إشعال الحروب ثمّ الهروب مع العائلة وما خفّ وزنه وغلا سعره.

كان الجنرال ولم يزل ضد إتفاق الطائف، وهو يعتبر مشكلته مع الطائف مشكلة شخصية، لأنه جاء بعد إنهاء تمرده في العام ١٩٨٩ على يدّ النظام السوري الذي يرتمي بحصنه اليوم، فهو لا يرى في الطائف أنّه التسوية التي أنهت الحرب الأهلية، ولا يرى فيه أنه القشّة الأخيرة التي يتعلق بها لبنان الغارق في بحر من الصراعات الطائفية والمذهبية والإنقسامات السياسية وتورط بعض أحزابه بحروب عبثية خارج الحدود خدمةً لأنظمة القهر والإستبداد.

الجنرال عون يعتبر نفسه قوياً على الصعيد الوطني، والأقوى على الصعيد المسيحي، ومردّ هذا الإحساس ليس نتائج آخر إنتخابات نيابية حصلت في حزيران ٢٠٠٩ ، ولا إستطلاعات الرأي أو إنتخابات الجامعات والقطاعات والنقابات، بل مرده إلى تحالفه مع حزب الله، بحيث يعتبر الجنرال بأنّ سلاح حزب الله وقدراته القتالية وترسانته الصاروخية هي في جيبه وتحت أمره ورهن إشارته، لكن في الواقع، الجنرال واهم ويسبح في بحر من الأوهام والأحلام، فحزب الله وسلاحه وحروبه كلها بإمرة الولي الفقيه، والولي الفقيه لا يحمل همّ إيصال عون لرئاسة الجمهورية، فهو أعلى وأكبر من الرئاسة والرئيس كائناً من كان كما قال رئيس كتلة نواب حزب الله النائب محمد رعد، .

لذلك فالجنرال ليس قوياً سوا بالتعطيل، وهذا دليل عجز وضعف، فهو عاجز عن فرض نفسه رئيساً للجمهورية، لا بالإقناع ولا بقوة السلاح. والحجّة التي يبرر بها الجنرال عون تمسّكه بالترشح لرئاسة الجمهورية وإصراره على الوصول إليها دون سواه، هي أنّ الأقوياء عند الشيعة والسنّة هم من يصلون إلى الرئاستين الثانية والثالثة، لكن هذا الكلام غير صحيح على الإطلاق، فالأقوى عند الشيعة، هو السيد حسن نصرالله، لكن دهاء الرئيس برّي وبراغماتية حزب الله أبقت على الرئيس برّي في الرئاسة الثانية لما يقارب الربع قرن، وإستطاع الرئيس برّي بالتكافل والتضامن مع حزب الله، أن يفرض أو يقنع أكثرية قوى ١٤ آذار بإنتخابه رئيساً لمجلس النواب أكثر من مرّة .

وفي الطائفة السنّية، الأقوى هو الرئيس سعد الحريري، لكنه لم يتمسّك برئاسة الحكومة ولم يمنع وصول شخص آخر لرئاسة الحكومة، وحين أسقطت حكومته في كانون الثاني من العام ٢٠١١ ،وجاء الرئيس نجيب ميقاتي رئيساً للحكومة بقوة القمصان السود، ذهب الرئيس الحريري إلى المعارضة، كما أنه ساهم في إيصال رؤساء حكومات غيره، شارك هو في تسميتهم .

أما الجنرال عون الذي يدّعي بأنه قوي، لم يستطع إقناع أكثرية نيابية بإنتخابه، لم يستطع فرض نفسه رئيساً بقوة سلاح حزب الله، ولم يقبل بأن يكون شريكاً في تسمية رئيس آخر للجمهورية غير شخصه الكريم، جلّ ما إستطاع أن يفعله حتى الآن، هو إطالة أمد الفراغ في قصر بعبدا بموافقة وتشجيع من حزب الله، وهو الآن يجلس على ضفة العقد التاسع من عمره، وينتظر أن تأتيه كرسي الرئاسة الأولى على طبق من خشب .