بعد أقل من 36 ساعة على خطاب الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله كان رئيس مجلس النواب نبيه بري يثير أمام الاعلاميين الذين دأب على الالتقاء بهم في أمسيات عين التينة بنداً بعينه من بنود هذا الخطاب وهو الدعوة التي وجهها نصر الله الى كل القوى للتعامل بجدية مع البنود الاربعة التي انطوت عليها مبادرة العماد ميشال عون وإلا فلديه هو خيار خامس تحفظ عن الاضاءة عليه ما دامت المبادرة العونية تجول على القوى.

 

الواضح ان الرئيس بري، بحسب رأي العالمين بشؤون عين التينة الداخلية، تعمّد إثارة هذه النقطة بالذات انطلاقاً من زاويتين: إما أنه لم يحط علماً بهذا الخيار الخامس الذي لفت اليه نصر الله وبالتالي فهو يسجل عتباً خفيفاً، وإما انه يعلم ويريد ان يبعث باعتراض مهذب على أنه ليس في وارد المضي قدماً في المواجهة التي يتهيأ لها عون.

 

وسواء كان بري "يتشاطر" على حليفيه او يبعث برسائل خفية مشفرة اليهما، فالأكيد ان مضمون الجزء الثاني من خطاب نصر الله والمخصص للوضع اللبناني ما برح يفعل فعله في أوساط سياسية صرفت جلّ اهتمامها في الساعات الماضية لاستجلاء طبيعة الخيار الذي يتكتم نصر الله عنه بانتظار اللحظة التي يراها مؤاتية، فضلاً عن أبعاد الربط المتعمد بين معركة القلمون ومساراتها وبين الحدث الداخلي بعناوينه التصادمية المتصلة بموضوع الشغور الرئاسي والتعيينات العسكرية.

 

الذي يثيرون الأمور على هذا النحو إنما هم على علم بأن نصر الله يتعمد بكلامه المثير للجدل القاء حجر من شأنه إحداث اهتزاز في بحيرة السياسة اللبنانية على نحو يمكن أن يطاول جوهر النظام السياسي وموقع الحزب في توازنات الداخل.

 

فالسيد تعامل مع حدث جرود القلمون من منطلق انه حدث استراتيجي لا يرقى الشك الى اهميته وارتدادته على الداخل، خصوصاً أن ثمة من يعلم يقيناً أن "حزب الله" ينطلق من مبدأ ان معركة القلمون ستكون عاجلاً أم آجلاً شريكة في رسم معالم الجغرافيا السياسية للمنطقة على رغم محاولات التعمية والتقليل من قيمتها التي تبذلها جهات.

 

انطلاقاً من كل ذلك لم يكن أمراً عابراً في نظر معنيين ان ينتقل السيد في خطابه مباشرة من الابعاد والدلالات لمعركة القلمون الى موضوع المبادرة العونية، ولا سيما نصيحته الجميع بالتعامل معها باكتراث. أما عنصر التشويق الأكبر فكان كلام نصر الله عن خياره المحجوب الى حين ما لم تأخذ المبادرة حقها من النقاش والتجاوب.

 

وما يعطي الأمر قيمته المضافة هو أن كلام السيد أتى بعد بضعة أيام على لقاء نادر جمعه مع العماد عون في الضاحية الجنوبية وبعد وقت ليس ببعيد على كلام عالي النبرة وجهه عون الى الحلفاء والخصوم على السواء بدا فيه وكأنه يتأهب للانتقال الى مرحلة جديدة في رحلة حراكه السياسي، من عناوينها العريضة الاستعداد لايصال الأمور الى النهايات القصوى لأن زعيم التيار البرتقالي ليس في وارد القبول هذه المرّة بأي أمر واقع يفرض عليه.

 

واذا كان ذلك أمراً مفروغاً منه بالنسبة لجنرال الرابية، فالعنصر المستجد هو اصرار نصر الله على وضع توقيعه الجلي على مطالب عون ودعوته الجميع الى التبصر بها لأن لها ما يليها ولها ما يتداعى منها ويترتب عليها.

 

والعنصر الأكثر تشويقاً هو المدخل الذي اصطفاه نصر الله للولوج الى الموضوع، بمعنى انه وضع هذا الموضوع كمهمة أولى في مرحلة ما يلي انتصار القلمون، اي بموازاة مصير المسلحين السوريين في جرود عرسال الذين تجمّعوا في تلك البقعة الجغرافية القصية بعد انسحابهم من الساحة الأوسع في جرود القلمون السورية.

 

وعموماً، ووفق ما كانت تتوقعه أوساط على صلة بدوائر القرار في الحزب، فان نصر الله أبلغ في طيات خطابه الأخير من يعنيهم الأمر بأن ثمة فرصة متاحة لنسج تسوية ما تجنب لبنان ومنطقة البقاع خصوصاً تبعات أي خضات أو مواجهات ستأتي ساعتها ولا ريب.

 

ومهما يكن من أمر فان نصر الله طرح مع عنوان التجاوب مع مبادرة العماد عون 3 عناوين أخرى تتصل بمستقبل الوضع في عرسال وجرودها هي:

موقع الجيش ودوره لجبه هذا الواقع الضاغط.

موقع عرسال نفسها أمام هذا الاستحقاق الداهم.

ما هو مطلوب من كل القوى السياسية المعنية ومن "تيار المستقبل" كونه الأقوى حضوراً في عرسال.

 

ثمة في قوى 14 آذار من بادر الى وصف خطاب نصرالله الأخير بالأعنف، وثمة من رأى ان سيد حزب الراية الصفراء قد وضع الجميع بلا استثناء أمام مزيد من الخيارات الصعبة التي سيكون أحلاها مراً.

 

لكن الثابت أن ما حصل في القلمون مفصلي وكبير الى درجة ان محاولات التقليل من أهميته من جانب خصوم الحزب لم تصل الى غاياتها المنشودة، واستطراداً فان ثمة من يخشى ان تكون عناوين التصادم لاحقاً تتقدم على عناوين التلاقي.

 

وفي هذا كله يثبت "حزب الله" لنفسه وللآخرين انه كسب الرهان في استيعاب القسم الأكبر من تداعيات الأشهر الثلاثة وما تخللها من تراجعات في الميادين الثلاثة أي سوريا والعراق واليمن، وانه يستعد للانتقال الى مرحلة الفعل والتأثير.