تسمع فتندهش ، كأنّ الموت أصبح سهلاً أو أنّه هكذا مُذ خلق إنسان الثورات والمقاومات ومُذ فتح إله الأحزاب جنّات من المقابر لفقراء من أموات الحياة .

أشعر بشيء من الخجل وأنا أشاهد جُثث أبطال ماتوا في الطريق إلى الوطن والله ، وتصدمني الرواية الكاذبة التي كتبها روّاد مقابرنا في لبنان من أهل اليسار واليمين، في لحظة إندلاع الحرب الأهلية التي نزفتنا في شوارعها وزواريبها ووضعتنا في حفرها وأكثرنا مفقود فيها ولا آثر له .

وبعد إقتتال متعدد الجهات والجبهات بين الأنا والآخر ، وبين الأنا و الأنا و الآخر والآخر أفقدنا القتال أعزة ، ودمّر أكواخنا  ومزّق نسيجنا الإجتماعي ووضعنا في عُلب من الطائفية والمذهبية الحاضرة والجاهزة للبيع عند أيّ بزار تُفتحُ أبوابه من قبل تجّار الأكفان والقبور .

بعد ما يزيد عن عشرين سنة وقف روّاد الحروب في لبنان ليلعنوا حروبهم وليعترفوا بأنهم أخطأوا في تحميل لبنان عبئيّ القضية الفلسطينية والتحوّل الاشتراكي الثوري القسري ، ورموا ورود أحذيتهم على شهداء الوطن الذين ماتوا لأهداف تبيّن صحة خطئها  ،وندب اليمين المسيحيّ حظه لأنه لم يستطع المحافظة على سلطة كانت صوناً  له بعد أن صلب المسيحيون على صليب الإمتيازات التي خسروها ولم يربحوا حتى حصتهم الممنوحة لهم من طائف أميركي – سعودي .

بعد أن مرّت فلسطين من جونية وبعد تذابح اليسار واليمين ، جاءت حروب الطائفة الواحدة وحروف الحلفاء والأصدقاء وحصدت ما حصدت من أرواح اللبنانيين ، من حرب العلمين في بيروت وحرب الإلغاء في عين الرمانة والأشرفية الى إقليم الدم في الجنوب ...

ووقف أولياء الدماء ليعترفوا بخطأ الحروب التي ذهب ضحيتها شباب بعمر الورد .

 

في الصراع مع الإحتلال كانت الكلفة أقل مما كانت عليه في الحرب الأهلية ، وفي حروب الزواريب الضيقة  وإفتخر الأموات بأمواتهم كشهداء ، وإفتخر المنتصرون على محتل لا يُقهر وحتى الآن لا أحد يبكي على شهيد سقط في غير موقعه وما زالت الشهادة ضدّ العدو علامة مضيئة في سماء تاريخنا "الوطني ".

لقد ذهب الجميع الى سوريا بحثاُ عن حقيقة مفقودة ، عن وطن ودولة لا يستطيع حزب الله ومن معه إستعادة شيء منه لأنه كومة رماد ، ولن تتمكن جهات المعارضة السورية في لبنان من لجم النظام الذي لم يعد مجرد أسد بلا أظافر وأنياب ، بل أمسى مساحة مصالح إقليمية ودولية .

فسوريا ساحة حرب مفتوحة على الخراب والدمار والإستنزاف ودون جدوى والمستفيدون منها تجار الحروب من باعة  الأسلحة والنفط والآثار، وسماسرة الإنتصارات المشتراة من قبل وسطاء عسكريين وسياسيين في النظام والمعارضة .

إذا كانت سوريا مستنقع الجميع ولا قدرة لهم على إيجاد الحلول ، بل بذل المزيد من المهج والأرواح وأمرُ سوريا كله  في يدّ الشيطان الأمريكي ، الذي يتفرّج على ذبحنا اليومي وينعش الصهاينة ما نحن فيه من عصبية في الموت والقتل فماذا ينفع ربح تلة أو خسارة قرية في جغرافية يستحيل الإنتصار فيها ؟

لقد هالني ما أسمع من صلوات لموت ، قد يأتي اليوم الذي يعترف فيه أنبياء الحرب السورية أنها خسارة فادحة لبشر يستحقون الحياة كما فعلوا من قبل في الحروب المشابهة .