كتب الزميل داود الشريان في عدد الأحد  العاشر من أيار 2015 في جريدة الحياة مقالة بعنوان " ما هو موقف الشيعة في لبنان؟ " ، يأخذ فيها على "النخب الشيعية اللبنانية اكتفاءها بالتبرؤ من دور حزب الله ، من خلال تصريحات هنا وهناك"، وإحجامها عن القيام "بأي تحرك بعد عاصفة الحزم" ، ويطلق عتباً على شيعة لبنان "بدأ يتردد في مجالس وصدور لبنانيين وسعوديين" ، ويطالب "بموقف جماعي في الساحات والميادين يعبّر عن رفض تصريحات حزب الله" ، ويستغرب كيف يطلب الشيعة من سواهم أن يدافعوا عنهم، خصوصا أن " معظم الذين يكتبون لحماية الطائفة الشيعية هم من خارجها"، ويختم بمطالبة الخائفين "من التصفية المادية والمعنوية" بأن يواجهوا حزب الله لأن  " الخوف لم يعد يحمي الخائفين"، من دون أن ينسى الإشارة ولو تلميحاً إلى احتمال معاقبة الشيعة المقيمين في المملكة، وهو ما لا نعتقد أنه موقف المملكة.

أسارع، أنا الذي كنت فخورا ببطولات حزب الله في مواجهة العدو الصهيوني، ثم أعلنت اعتراضي على برنامجه السياسي لحظة انتهت عملية تحرير التراب الوطني من الاحتلال الاسرائيلي، ورداً على دعوة  الشريان، معلناً تضامني الكامل ،من غير تحفظ،  مع حزب الله ضد هذه الدعوة الخطيرة التي ربما لا يعرف مطلقها، بل مطلقوها، أنها دعوة للانخراط في إحدى نسخ الحرب الأهلية، وإن عرف ، فهو لم يعش فصلا من فصولها ولا عانى ما عاناه اللبنانيون وما يعانيه السوريون، واكتفى بالنظر إلى أهوالها من بعيد. وهو لم يذق طعم الحرب، ونتمنى ألا يذوقه. ولهذا يستسهل الدعوة إلى تنظيم حرب أهلية شيعية. ربما لا يعرف أو لا يذكر كيف أن الحرب الشيعية الشيعية، بين أمل وحزب الله، كانت الأكثر إيلاماً والأكثر كلفة على الشيعة وعلى الوطن، مثلما كانت الحرب المسيحية المسيحية بين القوات اللبنانية وميشال عون أكثر كلفة على المسيحيين وعلى الوطن. لكنني أظنه عارفاً  أن الحروب الأهلية لا تنتهي بانتصار أحد، بل بهزيمة الجميع وبتخريب الأوطان.

وهو ربما لم يطلع بصورة كافية ودائمة على حجم الاعتراض الشيعي على موقف حزب الله. يكفيه، تصويباً لمعلوماته، أن يطالع الكتب الصادرة والمقالات والتعليقات المنشورة في الصحف الورقية والإلكترونية بأقلام كتاب شيعة، وعلى ما عقد من اجتماعات ولقاءات أخرجت بعض أنصار حزب الله عن صوابهم فراحوا يهددون ويتوعدون بالويل والثبور وعظائم الأمور، ويرمون المعترضين بكل التهم الشائعة، ومنها العداء للمقاومة وعدم الوفاء لدم الشهداء وتضحيات المقاومين، فضلا عن "العمالة" للمملكة والمال الخليجي، وللسفارة الأميركية ، حتى بات البعض منهم معروفاً تحت اسم "شيعة السفارة". وربما لا يعرف صديقنا الصحافي أن مثل هذه  الاتهامات هي، في  ظل مناخ الحرب الأهلية، بمثابة هدر دم لكل من تطاله التهمة ولو على سبيل الشبهة.

وهو ربما لا يعرف أن ظاهرة حزب الله ليست ظاهرة شيعية فحسب ولا هي لبنانية حصراً، بل هي عرض من أعراض الاستبداد والأحزاب الشمولية والأنظمة التيوقراطية. فهي نشأت في حضن الكنيسة كما بين كل المذاهب وفي كثير من الدول، وهي تجسد نهج التطرف الذي يتوسل العنف وسيلة لبلوغ الغاية، وبإمكانه أن يسأل الأميركيين وحلفاءهم من رعاة مدرسة العنف في الاسلام السياسي التي يشكل حزب الله الحبة قبل الأخيرة من عنقودها، ليتيقن أن الأصوليات واحدة، يسارية كانت أم قومية أم دينية، وأن التطرف الديني واحد، شيعياً كان أم سنياً، ومهما اختلفت مصادر تمويله، من إيران أو من سواها.

الحل ليس بتنظيم مواجهة بين النخب الشيعية وحزب الله، ولا بتسويات مع المستبدين كالتي حصلت في اليمن والتي تؤجل الانفجار ولا تعالج المشكلة، ولا بالمفاضلة بين أصوليتين أو بين مستبدين، كما حصل في سوريا، بل في جهد على المستوى العربي يبذل للخروج من عصور الاستبداد القديمة وأنظمتها التي تحمل شبهات يسارية أو قومية أو دينية نحو رحاب أنظمة تتسع للتنوع والتعدد والديمقراطية، ولتكون المراحل التالية من الربيع العربي أقل كلفة، ولتكون نهاية العنف الدموي أقرب منالاً.