تعيش الطائفة الشيعية في لبنان خصوصاً، حالة من الانفصام المرضي، وهذا يبدو جلياً حال المقارنة بين الحيوية الكبيرة التي يتمتع بها أبنائها ، والطاقات التي تزدهر وتضج  بها الطائفة ،  وبين التعفن  والركود الذي يصيب المؤسسات  المدنية والدينية التي من المفروض ان تعكس الوجه الحقيقي لأبنائها  .

فلطالما إعتبرت الطائفة الشيعية ومن زمن بعيد رافداً أساسياً بالطاقات والكوادر الناشطة ، إن للأحزاب والجمعيات أو للصحف والندوات الفكرية والنشاطات العامة بكل آصنافها، وهذا ما يشهد لها به كل المراقبين ، ويؤكده إستعراض سريع على أسماء ابرز الشخصيات الفاعلة في كل المجالات على الساحة اللبنانية .

وتبرز هذه الإشكالية أكثر ما تبرز، عند كل إستحقاق إنتخابي أو تداول لسلطة لا نعرف عنها شيئاً ، حتى بات تداول السلطة لا يعتبر من تقاليدنا الشيعية، فلا نكاد نعرف أو نسمع بشخصيات وأسماء جديدة يمكن ان تصل الى مراكز مسؤولة ، إلا ما يجري عند غيرنا من الطوائف .

 وكأنّ المسؤول الشيعي بأيّ موقع يصل اليه يصبح تلقائياً كأرض الوقف فلا يغير ولا يبدل تبديلاً .

 

وهذه الوضعية التي لا تشي إلا بالعقلية المتخلفة وبالكثير من أعراض شهوة السلطة وحب التملك وذهنية الأنا المتجذرة ، إنّما تثار هذه الأيام أيضاً على ألحان أصوات أوراق الإقتراع  التي تراقصت مزهوة في صناديق إنتخابات المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى .

 وان كنّا في هذا السياق لا يسعنا إلاّ التبريك والوقوف بإجلال أمام شخص مفتي الجمهورية القادم جديداً هو الآخر إلى دار الإفتاء ، ولكل القيمين على الطائفة السنية الكريمة لإتمام هذه العملية الديمقراطية وما حملته من أجواء رقي وحضارة،  فإننا بنفس الوقت لا بد لنا من وقفة مطولة على ما وصلت إليه حالتنا في  الطائفة الشيعية والبكاء على ما نحن عليه بالمزيد من الأسى واللوعة .

فالمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى لم يشهد أي عملية إنتخابية منذ لا يقل عن أربعين عاماً، وما يتم بداخله من تعينات وتنفيعات وسمسرات وبيع وشراء ، ما يجعل المرء يخجل به وبالانتماء " المؤسساتي " لهذه الطائفة، وللأسف فإن هذه الآفة العفنة نراها تنتشر في جسد الطائفة لتصل إلى أصغر المواقع وفي أبعد قرية شيعية  .

وما زاد الطين بلة في الآونة الأخير هو هذا التوافق السياسي الغير مبارك بين حزب الله وحركة أمل ، مما حرم أبناء الطائفة الحد الأدنى من التعبير عن الرأي او إنتخاب من يروه مناسباً، فيكفي أن يتفق الطرفين على رئيس بلدية في أقصى أقاصي الجنوب ليكون هذا الإتفاق امراً مفعولاً .

ممّ يعني أن لا أثر لأي حياة ديمقراطية داخل الشارع الشيعي، من رئيس لجمعية أهلية ، في أبعد منطقة شيعية ووصولاً إلى أعلى المواقع، والملفت هنا هذا الصمت المطبق من الأغلبية الصامتة والرافضة لهذه الإسقاطات ولو من داخل الخيمة الحزبية .

 حتى بتنا أمام واقع مؤلم يشبه إلى حد كبير حالة من التخدير والموت السريري يصيب جسد الطائفة ، وإن كنا نخشى أن تنتقل عدوة كره الديمقراطية إلى باقي الطوائف،  فإننا استبشرنا خيراً من الإنتخابات الأخيرة في دار الفتوى لنأمل بعد ذلك أن تصاب طائفتنا بعدوى الإنتخابات وليس العكس . وإن كنا غير متفائلين كثيراً بالخصوص في ظل سيطرة النثائي الشيعي وما هم عليه من عقلية .

 وفي المحصلة يبقى الرجاء من ربيع شيعي وإنتفاضة شيعية داخلية ترفض هذا الواقع المتخلف وحالة التوريث البشعة التي لا تشبه مثقفي الشيعة ورجالاتها، ولا تعكس طموحاتهم، ويجب رفع الصرخة وتذكير أبناء الطائفة بمعادلة بديهية تقول :  بأنه إذا ما كان  معيار تقدم أي جماعة وازدهارها هو بقدر ما تمارس من ديمقراطية وتداول  للسلطة داخل مؤسساتها ، ممّ يعني أن  المؤسسات الشيعية هي حتماً الأكثر تخلفاً في لبنان .