لا أحد من فريق 8 آذار أو 14 آذار كان يتوهم أن بإمكان موقف أو حساب سياسي ما أن يمنع «حزب الله» من الإعداد بقوة لمعركة القلمون، التي سجلت مجموعاته العسكرية، في الأيام الأولى للإشتباكات نجاحات، لا يمكن القفز فوقها، أو تجاهل تأثيراتها المباشرة على مجرى الوضع الميداني في عسال الورد، أو رنكوس امتداداً إلى الجبَّة، وفصل مناطق قدّرتها أوساط الحزب 100 كلم2 عن الزبداني أحد أرياف دمشق، التي يبدو أن معركة القلمون، تهدف، من جملة ما تهدف، إلى إبعاد الخطر عن العاصمة، المهدّدة في وقت من الأوقات بالسقوط على يد المجموعات المسلّحة، المناوئة لنظام الرئيس بشار الأسد.
مسؤول لبناني رفيع (غير مدني طبعاً) يراقب عن كثب تطورات الموقف، ليس من الوجهة الحربية وحسب، بل من الوجهة السياسية، اعتبر أن «الأهداف بمعظمها أهداف سورية، في الشق اللبناني منها، يتصل فقط باقتناع لدى الحزب أنه من غير الممكن احتمال مخاطر هذه الجماعات، وتعزيز وحداتها للدخول في لحظة مناسبة إلى داخل الأراضي اللبنانية».. فجاء دخول الحزب إلى المعركة على قاعدة «إغزوعم قبل أم يغزوكم، فوالله ما غزيَ قوم في عقر دارهم إلّا ذلّوا».
ولعلّ الأهداف السورية باتت معلومة لدى الدوائر والخبراء المتابعين لمسار تطوّر الوضع الميداني في محافظات «القطر السوري» من جسر الشغور إلى حلب، ومن دير الزور والسويداء إلى الحسكة، فضلاً عن درعا وحمص وإدلب، كانت إعادة الاعتبار للنظام الذي بدا لوقت من الأوقات، وكأنه يتهاوى تحت ضربات المعارضة، قبل مؤتمر جنيف، وبعد تزايد الكلام عن انشغال إيراني في اليمن، من شأنه أن يوفّر الفرصة للمعارضة السورية المسلّحة بكل فصائلها المعتدلة، والعلمانية، والأصولية أو المتطرّفة، أن تنتهزها لإيجاد معادلات على الأرض لغير مصلحة المحور الداعم للأسد، وبالتالي تسهيل المطالبة بأن الحل السياسي للأزمة السورية، لا يمكن أن يتحقق في ظل بقاء الرئيس الأسد وفريقه في السلطة..
على امتداد محاور الحرب الدائرة في صعده في أقصى الخليج العربي إلى القرداحة واللاذقية في أقرب نقطة إلى لبنان بين فريق تقوده إيران، وفريق آخر تقوده المملكة العربية السعودية، اتخذت معركة القلمون أبعادها، مع العلم أن خبراء عسكريين، كانوا قبل اندلاعها يعتقدون أن لا تكافؤ في الإمكانيات بين المجموعات المسلّحة، وشبه المحاصرة في الجرود، وقدرات حزب الله، التي دعمت بأسلحة من نوع القاذفات، والقنابل، والأسلحة الهجومية التي تزوّد بها الحزب، وتعرّضت حينذاك شاحنات النقل والإمدادات لغارات إسرائيلية ضجّت بها وسائل الإعلام..
في المشهد العاصف بقوة الحديد والنار، والذي يعبق بأخطر حملات سياسية ودبلوماسية بين إيران والسعودية، وضع لبنان في دائرة ترقب من نوع جديد - قديم:
1- ماذا عن الإستقرار العام السياسي والأمني؟
2- ماذا عن الحوار القائم بين تيّار المستقبل وحزب الله، في ظل ما تصفه دوائر «عونية» بأنه قد يشهد مراجعة من قبل الحزب في ضوء الحملات غير المسبوقة، التي شنّها الرئيس سعد الحريري بوجه السيّد حسن نصر الله؟
3- ماذا عن انتخابات رئاسة الجمهورية؟
4- ماذا عن التعيينات؟ واستطراداً مصير حكومة الرئيس تمام سلام؟
سياق الإجابات يبدو مترابطاً، ومتصل في الوقت عينه، بمجربات حروب المنطقة، بحيثياتها ونطاقها الإقليمي، وبالتالي بحسابات «الحرب الباردة» المستجدة، والتي أراد الرئيس الروسي فلادمير بوتين أن يبعث في مناسبة «ذكرى الحرب الوطنية العظمى» والانتصار على الهتلرية النازية، برسالة للغرب أنه يبحث عن عالم متعدد الأقطاب، الأمر الذي استأثر باهتمام 8 آذار من حزب الله إلى التيار العوني.
في المشهد هذا، يتقدّم التيار الوطني الحرّ بزعامة النائب ميشال عون إلى واجهة الإشتباكات السياسية المحلية، والتي ترجّح مصادر على اطلاع أنها اقتربت من الحدوث، ما لم يطرأ مرجّح آخر، يفرض استمرار الإستقرار، وحتى الحوار، سواء بشقّه الإسلامي أو بشقّه المسيحي!
ويؤسس التيار العوني على إجتماع رئيسه الأخير مع الأمين العام لحزب الله لجهة أن الحزب يدعمه رئيساً، ويدعم خياراته في ما خصّ تعيين العميد شامل روكز (نسيبه) قائداً للجيش اللبناني، خلفاً للعماد جان قهوجي، وعلى تأخر أجوبة الرئيس الحريري على ما ينتظره من موافقة على التعيينات أولاً، فضلاً عن تفاهمات أخرى، ليذهب «بالإتجاه المشاكس»، ما دامت خاصرته المسيحية باتت أكثر تحصناً، بعد الحوارات المكوكية بين ممثله النائب إبراهيم كنعان وممثل خصمه السياسي الدكتور سمير جعجع ملحم رياشي، وإعلان ورقة تفاهم أو «إعلان نيّات» يسقط منها ورقة الرئاسة الأولى، إلّا لماماً..
تعتقد الأوساط العونية أن الفرصة بعد معارك القلمون، وتقدّم الحزب فيها، واستعداد مسلّحي رأس بعلبك والفاكهة والقاع من المسيحيين للاشتراك بها داخل الحدود اللبنانية، تعطي الفريق العوني لانتزاع ما تصفه هذه الأوساط شرعية التصرّف بالقرار المسيحي سواء في ما خصّ التعيينات أو قانون الانتخابات أو حتى الجلسة التشريعية، بما في ذلك القرار السياسي في السلطة الاجرائية.. من دون إقامة حسابات لأي شيء (تماماً كما حدث مع الوزير الياس أبو صعب، عندما اصطحب معه سيّدة إلى مجلس الوزراء لتطالب بإعادة التعطيل الرسمي في 6 أيار عيد الشهداء!).
ومن هذه الزاوية، بالذات، تهلّل الأوساط العونية لحرب القلمون، سواء في الشق اللبناني (مشاركة حزب الله) أو الشق السوري (عدم إضعاف نظام الأسد) وبالتالي استبعاد «عاصفة حزم» عربية (أو تحالف عربي - إقليمي) لإسقاط الأسد، وبالتالي فرض رئيس جديد على لبنان، بعد صدور قرار جديد عن مجلس الأمن بهذا الإتجاه..
وإذا كانت قيادة التيار الوطني الحرّ وضعت محازبي التيار وأنصاره في أجواء أزمة حكومية مرتقبة بين 20 و30 أيار الجاري على خلفية التعيينات أو التمديد للقادة الأمنيين، وفي حال لم يأخذ مجلس الوزراء باقتراح وزراء التكتل بتسمية ضابط من بين ثلاثة في قوى الأمن لمنصب مدير عام قوى الأمن الداخلي، وثلاثة من أركان قيادة الجيش لتعيين عميد منهم قائداً للجيش بعد ترفيعه إلى رتبة عماد، فإن مرحلة ما بعد القلمون، مختلفة عن مرحلة ما قبلها.. الأمر الذي يطرح قضية استمرار الحوار، وحتى الاستقرار في مكان مختلف..
«الترويج العوني» لاحتمالات الأزمة ماضٍ في غير اتجاه، ولكن ركني الحوار المستقبل وحزب الله، لم يصدر عن أيّ منهما أدنى إشارة إلى أن جلسة 19 أيار الجاري مهدّدة، أو قد لا تنعقد، مع العلم أن الإجراءات الأمنية المتخذة سواء في بيروت أو الضاحية الجنوبية، تصبّ باتجاه دعم الاستقرار الأمني، وهو ما يدعمه المستقبل وحزب الله، لكن الاشتباك الكبير، من غير الممكن أن يبقى في دائرة محصورة، وينجو منه لبنان؟!