تكاثرت في الآونة الأخيرة الإشارات التي تنمّ عن ضعف موقع النظام السوريّ واحتمالات سقوطه.

فهناك، أوّلاً، كلامٌ كثير عن ترقّق القاعدة الشعبيّة والأهليّة التي يستند إليها النظام، وعن أنّ الأمور باتت تميل إلى تحكيم العدد وحده في مجريات الصراع وحسمه.

وهناك، ثانياً، ما ذكره لؤي حسين وآخرون من أنّ النظام السوريّ لا يتجاوب مع المساعي الروسيّة لإرساء تسوية ما، بل إنّه يعرقل تلك المساعي بشهادة ما حصل مؤخّراً في موسكو المنزعجة والمستاءة.

وأخيراً، لم يبخل أحد المعلّقين، وهو معروف بقربه من دمشق، في توجيه اللوم المشوب بالمناشدة لإيران كي "تهتمّ" بما يجري في سوريّا "في مواجهة الغزو التركيّ"، مثلما تهتمّ بما يجري في اليمن "في مواجهة الغزو السعوديّ".

ولقائلٍ أن يقول إنّ روسيّا وإيران قد تتردّدان في المضيّ على نهجهما السابق في تقديم الدعم السخيّ لبشّار الأسد. 

ذاك أنّ كلفة إبقاء النظام باتت كبيرة بكلّ المعاني، فيما الأوضاع الاقتصاديّة للبلدين وهواجس الملفّ النوويّ الإيرانيّ والمسألة الأوكرانيّة قد تحمل على عقد تسويات تطال الشأن السوريّ مع القوى الغربيّة. ومن يقول هذا القول لا بدّ أن يجد في السلوكين الإيرانيّ والروسيّ الفاترين عمليّاً حيال حرب اليمن ما يعزّز حجّته.

كذلك يبدو، بحسب صحيفة "الحياة"، أنّ الولايات المتّحدة ليست غريبة عن هذه الأجواء، حيث "أكّدت مصادر ديبلوماسيّة غربيّة" للصحيفة، أنّه "لا مانع لدى الإدارة الأميركيّة من دعم تصعيد عسكريّ في سوريا، وهي تريد خطّة عسكريّة - سياسيّة واضحة عن المرحلة المقبلة بعد خروج الرئيس بشّار الأسد".

وفي الأحوال كافّة، تتوالى المعارك التي يتأدّى عنها فقدُ النظام لمناطق أساسيّة ومتزايدة ما بين الشمال الغربيّ، في إدلب وجسر الشغور، والجنوب على الحدود السوريّة مع كلّ من الأردن وإسرائيل.

وهذه التغيّرات إذا كانت تبعث على قدرٍ غير بسيط من التفاؤل، لأنّ النظام قد يسقط كما قد يُفتح الباب لعمليّة سلميّة توقف المأساة السوريّة عند حدّ، فإنّها تبعث أيضاً على قدر غير بسيط من القلق بسبب طبيعة القوى التي تحلّ محلّ قوّة الأسد. فهذه، لا سيّما إذا أصرّ الرئيس السوريّ على تزمّته واعتراضه كلّ حلّ سياسيّ، قابلة لأن تستكمل تطييف الصراع السوريّ ثأراً وانتقاماً من أقلّيّات مذهبيّة ودينيّة باتت تقع على تماسّ جغرافيّ مباشر معها.

والمدهش، في ما خصّ لبنان، أن يزدهر في الوقت نفسه الحديث عن اقتراب معركة القلمون التي سبق أن وُعدنا بها "بعد ذوبان الثلج". فكأنّ الذين يريدون فتح هذه المعركة ينوون جعلنا ضحايا النظام السوريّ مرّتين، مرّة حين ينهض ومرّة حين يسقط.

وهذا قابل للتفادي بتحييد النفس عن هذا الطور الخطير (والحاسم؟) من الأزمة السوريّة. لكنّ المشكلة أنّ نظريّة الانجرار إلى المواجهة مع إسرائيل بعد توصّل الفلسطينيّين والأردنيّين، فضلاً عن المصريّين، إلى اتّفاقات معها، قد تعمل هنا أيضاً على شكل مزيد من التورّط في سوريّا لصالح نظام يوشك على موته!

نفس مبدأ الصراع مع إسرائيل بعد أن انتهت الحرب.

    المصدر: ناو