حين سقطت مدينة الموصل العراقية قبل أكثر من عام في قبضة تنظيم داعش برزت حينها قوة البروباغندا التي مارسها التنظيم قبل سيطرته الفعلية، وتجلى أثر ذلك في اكتساحه المدينة بين ليلة وضحاها، شاع حينها أن جزءا كبيرا من الانهيار السريع للقوى الأمنية النظامية لم يستلزم أكثر من رسائل هاتفية نصية عن تقدم مسلحي الجماعة حتى تضعضعت معنويات الجنود العراقيين فشرعوا في الانسحاب..
منذ ذاك التاريخ تحاول الحكومة العراقية استرداد سلطتها ومعنويات جيشها التي أهينت وتهشمت، ولعل أفدح هذه الأثمان ما حصل وشاهدناه في ما عرف بمجزرة «سبايكر» التي أعدم فيها «داعش» مئات الجنود العراقيين.
في المقابل ومع مرور الأشهر لم تظهر الحكومة العراقية ميلا جديا لترميم صورة جيشها ولاستعادة هيبته، فاكتفت بالخضوع لخطط واستراتيجيات رجل إيران القوي قاسم سليماني الذي قاد تشكيلات طائفية شيعية موازية للجيش العراقي. هذه التشكيلات خاضت معركة استعادة «تكريت» قبل شهر تحت اسم قوى «الحشد الشعبي». وهذه الأيام يجري التحضير لمعركة استعادة منطقة الأنبار من تنظيم داعش مستندين إلى تجربة تكريت.
جرى استباق التحرك العسكري بموجة نزوح وهرب سببتها الشائعات والأخبار المتضاربة عن ضربات وجهها «داعش» ضد الجيش العراقي، ما دفع الحكومة العراقية إلى الرد والقول إن ما يتردد من أخبار انتصارات لـ«داعش» وإعدامات لجنود وضباط هي دعاية وحرب نفسية لا أكثر. وربما تكون حربا نفسية فعلا، لكنها حرب قائمة على وقائع ومخاوف وعلى حقائق جرى الاستثمار فيها.
الآن هناك حملة دعايات ودعايات مضادة وأخبار متبادلة تسبق العمل العسكري على الأرض. وحملات التضليل الإعلامي والحرب النفسية هذه تجري في عمق أرض خصبة لكل أنواع التحريض. ويبدو أن تجربة تكريت ستلقي بظلال كثيفة على ما يتحضر للأنبار، ففي تكريت انتصر الجيش العراقي وما يسمى بميليشيات الحشد الشعبي الشيعية، لكن دخولهم أثمر احتقانا كبيرا مع شيوع حالات الانتقام والسلب ومع انتشار تقارير مصورة وشهادات لحجم الانتهاكات التي انتشرت بحق السكان. ما حصل في تكريت كان ينبغي أن يؤسس لباقي المناطق التي تسيطر عليها «داعش» لكن الأمر ارتد بشكل معاكس، فالآن تستفيد الدعاية الداعشية من ارتكابات الحشد الشعبي في تكريت لتحصن مواقعها ونفوذها في الأنبار. و«داعش» التي تهلل إعلاميا لفشل عراقي في الأنبار لم تسقط من السماء، فهذه الحملات الإعلامية والدعائية المتبادلة اليوم على أبواب معركة الأنبار ليست أكثر من واجهة فشل عراقي كبير بعد مراكمة أخطاء مميتة خلال العقد الماضي.
إذن، بموازاة الاستعداد العسكري لمعركة الأنبار ثمة معركة إعلامية كشفت حجم التأثير الذي يمكن أن تؤديه وسائل الإعلام الفردية في تلفيق المشهد أو تضخيمه بما يخدم أجندات المتحاربين..
لم يعد من الممكن خوض حرب من دون دعاية.. «داعش» كرست ذلك.. الحشد الشعبي تعلّم الدرس ويحاول أن ينافس.