التغييرات المفاجئة التي أجراها الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز أمس الاول، في بنية السلطة السعودية وتراتبيّتها ربما فاجأت حتى الأميركيين.

على رغم أنّ ردّات الفعل الأميركية الأولى كانت حذرة إلّا أنها «إيجابية» بمعظمها، ما يشير الى أنّ التكهّنات السابقة بإمكان حدوث تغييرات تُعيد تجديد «شباب» النظام السعودي الذي غالباً ما كان يوصف ببطء الإستجابة، كشفت عن تجاوز المخاوف التي كان يُخشى منها حول نمط عمل النظام وآلياته.

وقبل الحديث عن تشكيك الأطراف المناوئة وتوقّعاتها بحصول تعقيدات وإنقسامات في بنية النظام السعودي، كانت واشنطن نفسها غير بعيدة من هذه الأجواء. لكنّ ما جرى من «سلاسة» في تغيير الوجوه وتعيين عناصر شابة تتولّى قيادة البلد، شكل مفاجأة كونه أتى ردّاً على تلك التوقعات المتشائمة.

أوساط أميركية تنظر الى هذه التغييرات بأنها تُقدّم نموذجاً جديداً ومختلفاً للقيادة السعودية، خلال اجتيازها «معمودية نار» عنوانها إقليمي بإمتياز، وتسعى الى سحب البساط من أمام كلّ الادعاءات التي كانت تُريد تصوير المملكة بأنها مملكة الإنغلاق والمولّدة لشتى انواع التطرف.

فتعيين الامير محمد بن نايف ولياً للعهد ينظر اليه أميركياً بأنه تكليف لأرفع شخصية تولت مبكراً الرد على التطرّف والإرهاب، ورسالة مزدوجة للداخل والخارج لسحب شعار مقاتلة هذا الإرهاب من أيدي المدّعين الآخرين.

هكذا ينظر أيضاً الى تعيين الامير محمد بن سلمان ولياً لوليّ العهد وللسفير في واشنطن عادل الجبير وزيراً للخارجية، بأنه إستحضار لحيوية مطلوبة في لحظات مصيرية تعيشها المنطقة.

تقول تلك الأوساط إنّ تلك التغييرات شكّلت صفعة جديدة لخصوم السعودية ومفاجأة لهم بعد «عاصفة الحزم»، ما يعني أنّ التعامل مع المملكة ودول الخليج عموماً لن يعود كما كان في السابق، في وقت قرّرت فيه هذه الدول إعتماد مقاربة سياسية جديدة في التعامل مع قضايا المنطقة.

بعض المحللين الأميركيين يتوقع أن تُترجم تلك التعيينات تصعيداً في المواجهات الإقليمية المندلعة في المنطقة، في وقت يكتشف العرب أنّه يمكن تغيير المعادلات شرط الصمود على الثوابت، ومن بينها العلاقة مع الولايات المتحدة.

فقرب القيادات الجديدة من واشنطن يضعها في موقع الحليف الذي يستعدّ لنفض غبار «الإتكالية» التي لطالما اتّهمت بها دول الخليج عموماً. لا بل يعتقد هؤلاء أنّ قمة كامب ديفيد إزدادت حرارتها، مع إستعداد قادة الخليج للحديث بصراحة عن مخاوفهم وإستعداداتهم لتحمّل مسؤولياتهم حيث ينبغي.
فـ«الهجوم» الشامل الذي قرّرته دول «عاصفة الحزم» على المحور الإيراني، أشعرها بالقدرة على قلب موازين القوى، بما يضمن في أضعف الأحوال شراكتها في صنع المستقبل.

وينقل هؤلاء أنّ فقدان الثقة بسياسات واشنطن تجاه المنطقة وتجاه العلاقة مع طهران، لم يعد يسمح بمناورات بطيئة، مع إحساس تلك الدول بأنّ إيران لم تعد في موقع يسمح لها ببدائل كثيرة. هذا لا يعني أنّ طهران في طريقها الى «الإستسلام»، فهذا توقع ساذج خصوصاً أنها لا تزال تتمتّع بعناصر قوة كبيرة. لكن ليس معلوماً حتى الساعة كيف ستتمكّن من تنظيم الدفاع عن مواقعها في كلٍّ من العراق وسوريا ولبنان واليمن.

مسؤولون عسكريون أميركيون وصفوا حادثة إحتجاز السفينة التي ترفع علم جزر مارشال بمسرحية دعائية تريدها طهران بشكل عاجل للردّ على الصفعات التي تلقتها في منطقة الخليج، لكنّها قد لا تكون كافية لترميم سمعتها هناك.

حتى الاجتماع «الإستراتيجي» الذي عُقد في طهران وشاركت فيه قيادات من النظام السوري و»حزب الله»، قد لا يستطيع وضع أجندة ناجحة للردّ على الإنتكاسات التي شهدتها سوريا.

ولا يُعرف ما اذا كان المجتمعون قد ناقشوا أيضاً الخيارات المُتاحة أمام احتمال أن تكون الغارات الليلية التي إستهدفت منصات الصواريخ في القلمون ليست من فعل إسرائيل فعلاً، ما قد يجعل فرضية إنتقال «عاصفة الحزم» للقيام بأدوار محدَّدة في معارك سوريا أمراً وارداً حقاً.

تقول تلك الأوساط إنّ مآزق طهران ليست في يد واشنطن، وبالتالي من غير الوارد أن تلجأ الى محاولة تعويمها، أو على الأقل إقامة توازن مع خصومها الإقليميّين الآخرين، سواء كانوا عرباً ام عجماً، ما لم يجرِ الإتفاق على ثوابت عدة، تبدأ بإلتزام توقيع الإتفاق النووي ولا تنتهي بالبحث في سبل إطفاء حرائق المنطقة.