مات رستم غزالة، أو على الأرجح تمّت تصفيته بالطريقة السورية المشهورة التي لا تعطي لمَن يلعب بذَيْله أكثر من شرف الموت انتحاراً بخمس رصاصات في الرأس أو مسموماً أو مشروخاً، أو مكسّر الأضلاع كعضو اللجنة العسكرية الضابط سليم حاطوم الذي حاول الانشقاق في السويداء، وكان مصيره كمصير غازي كنعان، وضباط خلية الأزمة، وأخيراً، وربما ليس آخراً، رستم غزالة.

أن يُعلِن الرئيس سعد الحريري أنّ غزالة حاول الاتصال به قبل أن يحصل ما حصل فهذا يعني أنّ الأخير شعر باكراً بدنوّ أجله، تماماً مثلما شعر غازي كنعان الذي استبق قرار التصفية بحديثٍ اذاعي، وما لبث أن انتحر في مكتبه، ودفن بعيداً من الاعلام والرسميات، وهُدِّدت عائلته، وتعرّضت لضغوط كبيرة لكي تصمت، على ما تعرفه، وما يمتلكه الرجل من معلومات، في كلّ الملفات التي تابعها طوال الحقبة الطويلة التي عيّنه النظام حاكماً على لبنان.

في علم الأمن وعالم المخابرات، فإنّ امتلاك المعلومات الخطيرة هو سيف ذو حدين، لكن في حالة النظام السوري، فلا رحمة ولا تهاون مع مَن يفكّر في إفشاء الاسرار، ولهذا كان مرجَحاً أن يتعرّض غزالة وغيره للتصفية، عند اكتشاف أيّ محاولة للانشقاق أو تسريب المعلومات، والسؤال هو هل دُفنت أسرار كنعان وغزالة وغيرهما من ضباط النظام الذين قتلوا؟ وهل إنّ هؤلاء لم يحتاطوا للخطر والتهديد؟

وهل تركوا بالتالي وراءهم ما يدين النظام في كثير من الملفات وأوّلها وليس آخرها ملف اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وكذلك ملف أعمال البطش التي مارسها النظام منذ العام 2011 وحتى الآن، والتي ستسلك طريقها الى المحاكم الدولية؟

تتحدث جهاتٌ عدة عن أنّ غزالة احتاط مسبقاً لاحتمال تصفيته، وأنه كتب مذكرات بما يُعرف من معلومات، وتتحدّث أيضاً عن احتمال جدّي لأن يكون غزالة سجل بالصوت والصورة ما كان يريد قوله لو استطاع الظهور إعلامياً.

هذا الاحتمال تتمّ متابعته بدقة، ولكن بحذر، في اعتبار أنّ النظام لا زال قادراً على إعاقة نشر أو تسريب، على رغم أرجحية ان يكون ما سجّله غزالة أو صوّره بات خارج سوريا، من خلال التحكّم والتحفّظ عن عائلة غزالة، واستعمال القريبين منه رهائن تحت الحفظ، وهنا يرتبط الامر بزوجة غزالة (اللبنانية) وابنائه، وهذا أمر متوَقَع وهو يشبه تصفية غازي كنعان ووفاة شقيقه في ظروف غامضة، بعد أن انتحر في مكتبه، لإتهامه بمحاولة الانقلاب على النظام، وبتسريب معلومات للمحكمة الدولية الخاصة باغتيال الرئيس رفيق الحريري.

وتقول المعلومات إنّ غزالة بدا منذ أشهر مرتاباً بوضعه داخل النظام، وهذا الارتياب دفعه الى إطلاق مواقف نافرة والقيام بخطوات غير عادية، ومنها تفجير منزله في بلدته الحوارنية.

وتضيف أنّ مجموعة من الضباط سبق لهم منذ فترة حين شعروا بضعف النظام، أن تواصلوا مع جهات أجنبية لتأمين خروجٍ آمن لهم ولعائلاتهم من سوريا، وهؤلاء يمتلكون كمّاً كبيراً من المعلومات، لكن ما عرقل هذه العملية هو صمود النظام بدعم إيران وحزب الله، حيث أعاد هؤلاء النظر في خروجهم من سوريا، في انتظار حصول تحوّلاتٍ عسكرية على الارض تُمهِّد لخروجهم بلا مخاطرة بحياتهم وحياة عائلاتهم، لكن يُتوقَع في ظلّ استمرار تحوّل ميزان القوى على الارض لغير مصلحة النظام أن تتجدّد المحاولات في هذا الاتجاه.

وتقول المعلومات إنّ أكثر من ضابط كبير في الحلقة الامنية للنظام وضعوا تحت المراقبة المشدّدة، في ظلّ توقّع تكرار ما حصل لغزالة مع كلّ مَن يحاول مِن هؤلاء القفز من المركب الغارق.