هناك شعور لدى اللبنانيين بأنّ الأمين العام لـ«حزب الله» دون غيره من زعماء المحور الذي يمثله، ملزم تبنّي أحداث الثورة في اليمن وقيادتها إعلامياً وسياسياً وشعبياً، ومسارعة رئيس تيار «المستقبل» للرد عليه. ما يوحي بمعادلة «أنّ المعركة تحتاج كدا»! فلماذا هذا الشعور؟ وما الذي يفسره؟

ينقسم اللبنانيون في شعورهم المزدوج رفضاً أو اعتزازاً بالحملة التي يقودها السيد حسن نصرالله دون غيره على السعودية التي تقود «عاصفة الحزم» في اليمن على رأس قوة من دول الحلف العربي - الإسلامي. ويواجهه شعور مشابه بتولّي الرئيس سعد الحريري الرد عليه بعد أقلّ من دقائق على إنتهاء أيّ خطاب له منذ ثلاثة اسابيع.

ولهذا الشعور الممزوج بالقلق على المستقبل ما يبرّره، فقد اعتقد بعض اللبنانيين صادقين بعد انتظار اربع سنوات أنّ تدخّل «حزب الله» في أحداث سوريا هو لحماية المقامات الشيعية المقدَسة فيها، قبل أن يكتشفوا حجم الدور العسكري للحزب الذي جنّد له بضعة آلاف من مقاتليه اللبنانيين قبل أن يدرّب عشرات الألوف من «لجان الدفاع الشعبية» في مواجهة فصائل المعارضة.

وهو ما ادّى الى سلسلة من الروايات تقدم فيها دور الحزب على دور وفعالية الجيش السوري النظامي قبل وبعد ولادة «داعش»، وفي تحرير المدن السورية من حمص وحلب وأريافها وبلدتي النبل والزهراء وصولاً إلى القُصير والقلمون قبل أن يتمدّد الى الجنوب السوري من القنيطرة الى حوران وريف دمشق.

أما وقد وُجد مَن يُبرّر تدخل الحزب في المناطق السورية لقربها الجغرافي من لبنان والإدعاء بأنه منع انتقال «داعش» الى جونية وطرابلس، ففضّل البعض تأجيل البحث في هذا الدور الى ما بعد انتخاب رئيس للجمهورية كما فعل تيار «المستقبل» عند دخوله طاولة حوار عين التينة.

والمراوحة بقيت قائمة الى أن انفجر الوضع في اليمن، فتكرّر السيناريو نفسه وانبرى الحزب متبنّياً ثورة الحوثيين مجنّداً لها آلته الإعلامية والسياسية في موقف غير مسبوق من السعودية وصولاً الى نبش تاريخ من الأحقاد والأساطير والروايات.

وزاد الطين بلة أن اضطُر سعاة الحوار الباحثين عن رئيس جمهورية مفقود بعد تطويق الفتنة المذهبية الى الصمت وإعلان الفشل متمنّين حماية
الحوار ولو للصورة، فضلاً عن أنّ مَن دعا الى النأي بالنفس، جاءت أحداث اليمن لتؤدي الى اعتبار دعوته أمنية مستحيلة.

على هذه الخلفيات، هناك مَن يرى أنّ حزب الله ملزم هذه المواجهة. مبرِّراً: لقد بقي أمينه العام القائد الوحيد في «محور المقاومة» مَن يمكن أن يجد له مستمعاً في العالمين العربي والإسلامي. فالرئيس السوري بشار الأسد يحتفظ بصمت مدوٍّ ومريب لا يشبهه فيه احد، ويتجنّب معارك إضافية مع دول الخليج ومن العالم الإسلامي ومصر. والعراق مشطوب من دول هذا المحور، فالإيرانيون يمثلون الحكم فيه ومنشغلون بملفات عدّة.

وإن كان اليمن ملفاً منها، فإنّ الأولوية هي لتسويق التفاهم النووي والدعوة الى حوار مع السعودية من اجل حلٍّ سلمي في اليمن للتخفيف من تهمة تورطهم هناك، عدا عن عدم قدرتهم لمخاطبة العرب بلغة الضاد التي يتقنها نصرالله.

وعليه، وقعت القرعة سياسياً وإعلامياً وجهادياً على السيد، وهو باعتراف الجميع أهل لها، ومعه «المنار» التي لا يمكن التقليل من دورها وتأثيرها بعدما دخلت بيوت العالمين العربي والاسلامي محطة رئيسة إن لم تكن الأولى من الخليج الى المحيط وسوريا واليمن والبحرين فكانت خير وسيلة - ومعها تلفزيون لبنان لمرة واحدة - لإتمام المهمة التي أُلقيت على عاتقهما بنجاح.

وعليه يُفهم أنّ ما يلزم نصرالله تبنّي ثورة اليمن يُبرّر للقوى الحريصة على تحييد لبنان مهمّة الرد وما بينهما يتعزّز الشعور بأنّ المواجهة مستمرة بلا أفق الى أن ترسو الوساطات على حلٍّ ما زال بعيداً. وإن كان هناك مَن يتوقّع بخجل، فيتحدّث عن مهلة 30 حزيران المقبل لإستكشاف ما يمكن توقّعه.