لا أحد يتفجّع. لا صراخ، ولا تهديد، ولا لعنات توزّع على "البرابرة". بهدوء مرّ فيديو إعدام مجموعتين من الإثيوبيين في ليبيا، على يد مقاتلين في تنظيم "داعش" الإرهابي. بهدوء تام مرّ الخبر. لولا بعض الحسابات، القليلة، على مواقع التواصل لما عرفنا أصلاً أن الإعدام حصل. 

نشر "داعش" الفيديو. تناقله بعضهم. وكالات الأنباء أوردت خبراً سريعاً. وانتهت القضية. لن يخرج علينا ملك أو رئيس، مهدداً بالقضاء على "داعش". لن تستبدل الصور الشخصية على مواقع التواصل بصور سوداء، ولن تنهال التحليلات عن تقنيات " داعش" الهوليوودية . إنهم إثيوبيون، فقراء، أصحاب بشرات سمراء، مسيحيون، من يهتمّ؟ لا دولتهم تسأل، ولا "الناشطون الحقوقيون" يسألون. ماتوا، هم أيضاً اختطلت دماؤهم بالبحر، هم أيضاً وضعت رؤوسهم المقطوعة فوق أجسادهم.. لكنها العنصرية التلقائية. لا أحد يهتمّ.

لكن عزيزي القارئ، إليك ما حدث: الفيديو الذي يدور على خلفية نشيد ديني، يطلّ فيه أحد المقاتلين يتحدّث بلغة إنكليزية ممتازة. تتنقل المشاهد بين مجموعتين: الأولى لمعتقلين إثيوبيين في إحدى الغابات، أما الثانية فلمجموعة على شاطئ البحر. القاسم المشترك: رؤوسهم المطأطأة، والموت الذي يحيط بهم. يتحدث المقاتل عن أرض الإسلام، عن دفع الجزية، عن الانتقام... يتحدّث كثيراً، والمعتقلون الجاثون على ركبهم ينتظرون موتهم.

الرعب نفسه في عيونهم. الرعب الذي شاهدناه في عيني  معاذ الكساسبة  ، في عيون المصريين في ليبيا، في عيون جايمس فولي، وستيفن سوتلوف... ثمّ يقتلون. المجموعة الأولى تقتل بإطلاق الرصاص، والثانية تقتل بقطع الرأس.

"داعش" يضرب من جديد. يموت الإثيوبيون، بهدوء تام... وحدها عائلاتهم ستبكيهم، ستبكي الفقراء الذين بقوا في ليبيا رغم خطورة الأوضاع، لأنهم فقراء فقط. لن يلعن أحد البرابرة. نحن عنصريون، تعالوا نعترف بذلك. من هنا نبدأ، وبعدها ننتقل إلى نقاشات أكبر، وأكثر عمقاً.