حتى الان يبدو ان الاهداف غير العسكرية التي حققتها "عاصفة الحزم" هي أكبر وأبعد بكثير من الاهداف العسكرية التي اصابتها في اليمن. ثمة ما يوحي بان دول الخليج العربي قد نضجت او هي في طريقها الى مرحلة النضوج. لم يعد حكامها وشعوبها مجرد أثرياء مدللين لا يمكن لاحد أن يأخذهم على محمل الجد، بعدما أدمنوا على إلقاء مسؤولياتهم ورمي مشاكلهم ووضع مخاوفهم في عهدة اميركا والغرب.

ثمة دول تتشكل، وموقف يتبلور، وقوة تستثمر. فكرة الدولة ليست مفتعلة او خيالية كما كانت تبدو حتى الامس القريب. المؤسسة العسكرية ليست وهمية او بدائية كما كانت تظهر حتى ما قبل حرب اليمن الراهنة. المؤسسة الدينية ليست اسطورية كما كانت توصف قبل ان تندرج في برنامج عمل محدد يضع محاربة الارهاب الاسلامي على رأس لائحة اولوياتها التي تشمل الانضباط في مسار سياسي مختلف كليا عن كل ما ساد في العقود الماضية.

مرحلة النضوج يمكن ان تأخذ وقتا طويلا، لكنها صارت حتمية تفرضها حقيقة ان هذه الدول اصبحت في حالة حرب فعلية، وعلى اكثر من جبهة. وهو ما ساعد في اكتشاف وجود جيوش في الدول الخليجية، او في الحد الادنى اكتشاف وجود سلاح طيران حربي فعال، لا يحلق فقط في الاستعراضات والمناسبات الوطنية، لكنه بدأ يؤتي ثمار سنوات عديدة من التدريبات المكثفة في اهم المعاهد العسكرية الغربية وسلسلة من المناورات المشتركة مع اقوى اسلحة الجو في الغرب، ويملك احدث الطائرات المقاتلة.

من الان فصاعدا، انضمت اسلحة الجو الخليجية الى موازين القوى الاقليمية، ولم يعد عبثا الحديث المتكرر الان عن تفوقها النوعي الكاسح على سلاح الجو الايراني الذي لا يملك سوى مقاتلات اميركية تنتمي الى فترة السبعينات من القرن الماضي، ومقاتلات روسية او صينية لا يمكن ان تصمد في اي مواجهة مع الطائرات الحديثة التي تمتلكها جيوش دول مجلس التعاون..التي كانت حتى في الحملة الجوية التي تستهدف تنظيم داعش في العراق وسوريا، مجرد رديف للطيران الاميركي والاوروبي الغربي، لكنها اليوم في حرب اليمن طليعة متقدمة.

قيل الكثير عن اصداء حرب اليمن الخليجية في كل من طهران ودمشق وبغداد وغيرها من العواصم البعيدة المعنية بالازمة اليمنية، لكن الاصداء الاقوى والاهم هي تلك التي يصفها مسؤول خليجي بارز، في حديث خاص، بالاهداف النفسية التي حققتها تلك الحرب في داخل بلدان مجلس التعاون نفسها، حيث ترتقي الان فكرة الدولة وتترسخ عقيدة الجيش وتتطور مهمة سلاح الطيران، وتنضبط المؤسسة الدينية، ما يساهم- وهذا هو الاهم- في احتواء الافكار والرموز والشخصيات الاصولية المتطرفة في المجتمعات الخليجية بالتحديد، وفي اقناع هذه الرموز بان الدولة تقوم بواجبها في الدفاع عن الحدود وترد على الخطر الخارجي المتمثل الان بتغول ايران وميليشياتها في المنطقة العربية كلها.

هو هدف استراتيجي بالنسبة الى بلدان الخليج التي باتت بحاجة ليس فقط الى دفع تهمة انتاج الارهاب او ترويجه او دعمه، بل الى تقديم بديل داخلي يحول دون تجدد تلك الظاهرة، ويقدم نموذجا لدول قادرة على استيعاب غضب "الخلايجة"، حسب تعبير المسؤول الخليجي البارز، من المظالم التي يتعرض لها الاسلام والمسلمون، ومنعه من التحول الى معضلة في الداخل الخليجي اولا ثم في البلدان التي تشهد تحولات جذرية مثل سوريا والعراق واليمن وغيرها.

لعل هذا الهدف، الذي تحقق حسب المسؤول الخليجي البارز، هو الحافز الاول والاهم لاتخاذ القرار الخليجي بخوض حرب اليمن التي لا تدور فقط على الارض اليمنية، ولن تقتصر مفاعيلها على ذلك الجزء من الجزيرة العربية. اسقاط الاتهام الموجه الى المجتمعات الخليجية بالارهاب من جهة او بالدلال من جهة اخرى، يخدم بلا ادنى شك فكرة وجود دول وشعوب وجيوش ومواقف تفرض احترامها على الجميع سواء في العالم العربي او خارجه.