المواجهةُ غير المسبوقة التي فتحها «حزب الله» مع السعودية بعد «عاصفة الحزم» دلّت على مسألةٍ مهمّةٍ جداً وهي أنه يخوض هذه المواجهة من مربّعه المذهبي من دون أن يلقى دعماً من حلفائه الوازنين على المستوى المسيحي والسنّي والدرزي.

ليس تفصيلاً أنّ «حزب الله» الذي كان يتكّئ على حلفائه لخوضِ مواجهات سياسية مع تيار «المستقبل» والسعودية تجنّباً لحساسياتٍ مَذهبية، أصبح مُضطراً الى خوضِ هذه المواجهات بنفسه، بعد أن نأى هؤلاء الحلفاء بأنفسهم عن معاركه السياسية، فبدا يُصارع وحيداً من دون أيّ غطاءٍ وطني أو امتدادٍ عابر للطوائف.

قوّة أيّ طرف في لبنان لا تُقاس بترسانته العسكرية كما الحال مع «حزب الله»، فهو يستطيع بواسطة هذا السلاح أن يمنعَ قيامَ الدولة، وهو يقوم بالواجب على هذا المستوى، فيما قوّته الحقيقية تكمن في تحالفاته الوطنية التي تمكّنه من حصد أوسع تأييدٍ وطني لمشروعه وترجمته داخلَ المؤسسات.

فلو نجح الحزبُ في ربح انتخابات العام ٢٠٠٩ لكان الوضعُ اختلف جذرياً على الأرض، وهو كان يخطط لذلك، وما يزال، لجهة تشريع سلاحه ودوره مؤسساتياً.

وليس خافياً على أحد أنّ ١٤ آذار مرت بوضعٍ دقيق للغاية في العام ٢٠١١ الذي شهد تأليفَ حكومة من دونها، وتضمّ إلى جانب الحزب و«التيار الوطني الحر» النائب وليد جنبلاط وتحالف نجيب ميقاتي ومحمد الصفدي وأحمد كرامي الذي يستند إلى أرضية سنّية تبدأ من أسامة سعد مروراً بعمر كرامي وصولاً إلى عبد الرحيم مراد.

كما شهد هذا العام انتخابَ بطريرك جديد والذي من الطبيعي أن ينتهجَ سياسةً جديدة فور انتخابه على قاعدة تصفير المشكلات مع الجميع. وشهد أيضاً تموضعاً للرئيس ميشال سليمان إلى جانب «حزب الله» وحكومته.

فبدا وضعُ ١٤ آذار حينذاك دقيقاً: من دون البطريرك صفير ورئيس الجمهورية ورئيس الاشتراكي، وفي ظلّ اختراقٍ سنّي وحكومة، فيما عاد وتبدّل هذا الوضع سريعاً مع إعادة تموضع سليمان وجنبلاط باتجاه الوسط الأقرب إلى ١٤ آذار، وفشل المكوّن السنّي في الحكومة من توفير الغطاء السنّي لمواجهة الحال المتطرفة التي نشأت على أثر الأحداث السورية.

ولكن على رغم الوضع الدقيق الذي وصلت إليه ١٤ آذار، فهي لم تصل إلى ما وصل إليه «حزب الله» اليوم، حيث دخل في مواجهةٍ مكشوفة مع السعودية من دون أيّ مساندة مسيحية، سنّية ودرزية.

أولاً، على المستوى المسيحي: تكتل «الإصلاح والتغيير» نأى بنفسه عن هذه المواجهة جملةً وتفصيلاً، بل موقف الوزير جبران باسيل كان متناغماً مع موقف رئيس الحكومة، لا الحزب، وأظهر أنّ وجودَ مسيحيّ في ٨ آذار على رأس وزارة الخارجية يختلف عن وجود شخصية شيعيّة. والنائب سليمان فرنجية لم يدخل بدوره في هذه المواجهة.

على المستوى السنّي: لم يصدر أيّ موقف من أيّ شخصية نيابية أو سياسية سنّية إلى جانب الحزب، من الرئيس ميقاتي إلى أسامة سعد وفيصل كرامي وما بينهما عبد الرحيم مراد والذي على العكس أطلق موقفاً معبّراً قال فيه إنّ «أمنَ اليمن من أمن السعودية، وإنّ باب المندب قضية أمن مصري-عربي». على المستوى الدرزي: لم يصدر أيّ موقف مؤيّد للحزب ضدّ السعودية.

وللتذكير فإنّ المواجهة التي يخوضها «حزب الله» هي استراتيجية وببعدٍ إقليمي، حيث لم يصدف إطلاقاً أيّ تناقض بين مكوّنات ١٤ آذار في قضية على هذا المستوى، والتناقض إن وُجد يكون من طبيعة سلطوية محلية، الأمر الذي يؤشر إلى الآتي:

أ- عدم قدرة حلفاء الحزب على مجاراته في السياسة التي اعتمدها ويعتمدها والتي خرجت عن الممكن والمعقول وقواعد الصراع وذهابه بعيداً في مواقفه.

ب- بروز ميزان قوى جديد مع «عاصفة الحزم « بدأت القوى السياسية تأخذه في الاعتبار.

ج- عدم رغبة القوى الحليفة للحزب بالاصطدام مع السعودية في قضية لا تعنيها اسمها اليمن.

د- دخوله في المواجهة من دون حركة «أمل».

وعليه، إن دلّ ما تقدم على شيءٍ فعلى أنّ «حزب الله» خسر منذ دخوله في القتال السوري كلَّ الغطاء السنّي، وحمّل حليفَه المسيحي ما لا قدرة له على تحمّله، ووصل اليوم في مواجهته مع السعودية من دون أيّ غطاءٍ وطني، محوِّلاً بنفسه الصراع إلى سنّي-شيعي، وما لم يخسره في قتاله مع سوريا خسره في مواجهته مع السعودية.

وفي المحصّلة، خروج «حزب الله» من لبنان أفقده مظلّتَه الوطنية والعربية، واستطراداً ما نجح في مراكمته طوال عقدين من الزمن تقريباً، فهو عشية الحرب السورية نجحَ بتشكيل حكومة نوعاً ما متوازنة لولا التمثيل السنّي والذي بالمناسبة كان يستند إلى قاعدة لا بأس بها وكانت بحدود 25٪، فيما اليوم لا يستطيع إقناع أيّ مكوّن حليف له، أكان سنّياً أو درزياً أو مسيحياً بتشكيل حكومة معه ضدّ الآخرين، وبالتالي وما تقدّم بات يشكل مقدّماتٍ جدّية لتسوية لبنانية لا بدّ آتية.