ثمانية أيام فصلت بين إطلاق «عاصفة الحزم» التي تقودها السعودية وبين الاتفاق الإطاري النووي الذي أبرمته الدول الكبرى مع إيران الخميس الماضي.

تحرك السعودية عسكريا في اليمن في هذا التوقيت بدا وكأن رسالة قوية من الرياض تستبق اتفاقا لاح في الأفق، يضع إيران خارج النزاع مع الغرب وإسرائيل، لتتفرغ لنزاع شيعي-سني، تزكيه طهران بتدخلات سياسية وميدانية في أربع دول عربية هي لبنان وسوريا والعراق واليمن، اثنتان منها تجمعهما حدود مشتركة مع السعودية.

التحرك السريع من جانب الملك السعودي، «سلمان بن عبد العزيز»، تجاه الأزمة في اليمن بعد 64 يوما من توليه مقاليد الحكم، جاء وكأنه يريد أن يرسم سياسة جديدة تنطلق من المثل العربي الشهير «ما حك جلدك مثل ظفرك»، أي أن الخليج بوجه عام والسعودية تحديدا، هي الأكثر دراية بما يؤلمهم، ولن تنتظر سيطرة إيران على اليمن وتصبح تهديدا كبيرا لأمنهم ثم تتحرك بعد ذلك.

قد يرد البعض على ذلك بالقول إن «عاصفة الحزم» أعلن عن انطلاقها من واشنطن، وأن التصريحات الرسمية الأمريكية تؤكد أنهم أبلغوا بها قبل انطلاقها، لكن في المقابل، فإن تتبع وكالة الأناضول لتحركات الملك «سلمان» طيلة الـ 64 يوما، التي سبقت انطلاق «العاصفة»، أوصلنا لنتيجة مؤداها أن الملك الجديد يسعى لبناء تحالف سني، تتضاءل أمامه أي خلافات.

استقطاب «حماس» والتصالح مع إخوان اليمن

وفي سعيه نحو بناء هذا التحالف، حرص الملك الجديد للسعودية على إبعاد أي قوة سنية في المنطقة عن التحالف مع إيران ومنها مثلا حركة المقاومة الإسلامية «حماس».

وعلى مدار عدة سنوات، أقامت «حماس»، علاقات قوية ومتينة مع النظام الإيراني، ولكن اندلاع الثورة السورية، عام 2011، ورفض «حماس» تأييد نظام «بشار الأسد» الذي يلقى دعما واسعا من إيران، ألقى بظلاله على تلك العلاقات وأدخلها فيما يمكن وصفه بـ «الفتور»، قبل أن يقوم وفد رفيع من قيادت «حماس» بزيارة العاصمة طهران مطلع ديسمبر/ كانون الأول الماضي.

زيارة وفد «حماس» لطهران وصفت حينها بأنها «رد على ممارسات الأنظمة العربية تجاه حماس»، الأمر الذي دفعها للارتماء في أحضان إيران، وهو توجه دعمه الحكم الصادر عن محكمة الأمور المستعجلة المصرية باعتبار حماس حركة إرهابية.

وبعد 11 يوما من إصدار هذا الحكم، الذي لا يجوز الطعن عليه حكوميا، لتضامن هيئة قضايا الدولة مع مقيم الدعوى بالانضمام إليها، طعنت هيئة قضايا الدولة على الحكم استنادا إلى صدور قانون في 24 فبراير/شباط 2015 يحدد إجراءات الإدراج على قائمة الإرهاب، وليس من بين هذه الإجراءات أحكام محكمة الأمور المستعجلة.

غير أن المفارقة التي رصدتها في وقت سابق وكالة الأناضول، كانت في صدور قانون الكيانات الإرهابية في 24 فبراير/ شباط الماضي، فيما انضمت الحكومة ممثلة في هيئة قضايا الدولة للدعوى التي تم الفصل فيها يوم 28 من ذات الشهر، وهو ما يجعل هذا المبرر الذي تسوقه الهيئة لطعنها على الحكم غير منطقي، ويجعلنا بالضرورة نقول إن هناك دافعا قويا خلف طعن الحكومة على قرار سعت إليه مسبقا.

ويشير السياق الزمني لهذا الطعن أنه جاء بعد 10 أيام من زيارة الرئيس المصري «عبد الفتاح السيسي» للسعودية أوائل شهر مارس/آذار الماضي، وقبله بيومين وتحديدا في يوم 8 مارس/آذار قررت السلطات المصرية فتح معبر رفح لمدة يومين، وهو ما يبعث برسالة حول الدور الذي لعبه الملك «سلمان» في هذا الأمر.

هذا التقارب السعودي مع حماس، والذي يأتي بعد فترة من الجمود، تدعمه تصريحات «محمود الزهار»، القيادي البارز في «حماس» خلال ندوة سياسية نظمها مركز الدارسات السياسية والتنموية في غزة (غير حكومي) يوم 15 مارس / آذار الماضي.

 وقال «الزهار» في تصريحاته إن  «السعودية تقود الخليج ودولة عظمى في المنطقة، وتسعى، بسبب التغييرات السياسية وسيطرة الحوثيين على اليمن إلى إقامة علاقات جيدة مع حركة حماس».

وتحدث «الزهار» عن زيارة مرتقبة للرياض سيقوم بها رئيس المكتب السياسي لـ«حماس»، «خالد مشعل»، لتكون حال حدوثها هي الأولى من نوعها إلى الرياض منذ يونيو/ حزيران 2012.

وفي سعيه نحو بناء هذا التحالف السني، نحى الملك «سلمان» خلافات بلاده مع تيار حزب التجمع اليمني للإصلاح (إخوان اليمن)، وقال الكاتب السعودي البارز «جمال خاشقج»ي المقرب من دوائر صنع القرار في تغريده على حسابه الرسمي بموقع تويتر: «إنّ القوة اليمنية الأقدر على مواجهة الحوثيين هي التجمع اليمني للإصلاح، فهو الأكثر تنظيماً وتوازناً في اليمن الشمالي، ومقوماتهم تمكنهم من الوقوف في وجه المشروع الحوثي».

الجمع بين مصر وتركيا

وطبق الملك «سلمان» نفس السياسة مع تركيا، باعتبارها أحد أهم ركائز القوة السنية في المنطقة، وخلال زيارة الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان» للسعودية في مارس/آذار الماضي، حصل منها على ما يشبه التعهد التركي بدعم السعودية عسكريا ضد أي خطر إيراني داهم، بجانب الاتفاق على التنسيق المكثف في قضايا المنطقة وفي مقدمتها سوريا مع تنحية الخلاف حول مصر جانبا.

وشهدت العلاقات التركية السعودية بعد عزل الرئيس المصري الأسبق «محمد مرسي» توترا، بسبب الموقف التركي الداعم لـ «شرعية مرسي»، والذي دائما ما يصف ما حدث في مصر عقب 3 يوليو/تموز 2013 بـ «الانقلا»وهو ما كان يتعارض مع الموقف السعودي.

وفي نفس السياق، كان تزامن زيارة الرئيسين المصري عبد الفتاح السيسي والتركي «رجب طيب أردوغان» للسعودية، رسالة واضحة لإيران بأن الرياض لديها ظهير وسند مصري تركي قوي، وهما أكبر قوتين سنيتين في المنطقة، وأن الرياض قادرة على أن تجمعهما رغم الخلافات بينهما.

وعبر الكاتب والمفكر المصري «فهمي هويدي» عن هذا المعنى في مقالة نشرها بجريدة الشروق المصرية في 3 مارس/آذار الماضي  بعنوان «رياح التغيير في السياسة السعودية».

وقال «هويدي» في مقاله: «حين زار الرئيس عبد الفتاح السيسي الرياض هذا الأسبوع مع وجود الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالمملكة، فإن الرئيسين لم يلتقيا حقا ولم يوجدا بالعاصمة السعودية في ذات الوقت (أردوغان ذهب لأداء العمرة)، إلا أن تنظيم الزيارتين في وقت واحد لم يخل من رسالة حرصت المملكة على توجيهها».

وأضاف: «كانت خلاصة الرسالة أن وقوف الرياض إلى جانب مصر لا يعني مخاصمة تركيا، باعتبار أن سياسة المملكة في عهدها الجديد لها حسابات مغايرة ورؤية مختلفة لمستقبل الشرق الأوسط ، فهي أولا مع الاحتواء وضد الاستقطاب. وهي ثانيا ترى أن من مصلحة المملكة ومصلحة المنطقة أن يعاد رسم تحالفاتها من جديد لمواجهة التحديات الطارئة في الساحة التي أصبحت تهدد الجميع بدرجات متفاوتة».

كما كانت هناك رسالة أخرى واضحة في الاتجاه نفسه من الملك «سلمان» لإيران تمثل في زيارة بارجة حربية تركية مؤخرا لميناء جدة لأول مرة منذ سنوات في 31 يناير/كانون الثاني الماضي، بجانب المناورات البحرية المصرية السعودية الأخيرة (مرجان 15) في البحر الاحمر، والتي بدأت في 14 فبراير/شباط الماضي.

وقالت السفارة التركية بالرياض فى بيان لها يوم 31 يناير/ كانون ثان الماضي إن ميناء جدة يستقبل السفن الحربية التركية خلال الفترة من 31 يناير/كانون ثان إلى 2 فبراير/شباط، وذلك ضمن زيارة تبدأ من السعودية وتمر عبر كل من الموانئ البحرية فى البحر الأحمر وخليج عدن وبحر العرب والخليج العربي.

وقال الجيش المصري في بيان له يوم 14 فبراير/شباط إن التدريبات (مرجان 15) تشمل التصدي لمخاطر العائمات السريعة التي تعترض السفن التجارية في الممرات الملاحية وكيفية مواجهتها، واعتراض السفن المشتبه بها، والتدريب على مهام البحث عن الغواصات ورصد وتتبع الأهداف الجوية المعادية وتدميرها.

الاتجاه إلى باكستان

وفي نفس السياق، وجه العاهل السعودي «سلمان بن عبد العزيز» الدعوة إلى رئيس الوزراء الباكستاني «نواز شريف» لزيارة المملكة، وهي الدعوة التي لباها رئيس الوزراء الباكستاني في 4 مارس / آذار الماضي، في رسالة أخرى موجهه لإيران، من خلال استحضار قوة نووية إسلامية سنية في المشهد.

وفي 22 مارس/آذار الماضي بعد 18 يوما من زيارة رئيس الوزراء الباكستاني، وصلت وحدات من القوات الخاصة بالجيش الباكستاني، إلى مطار الطائف الإقليمي (غربي السعودية)، للمشاركة في تدريبات مشتركة مع القوات البرية الملكية، بحسب تقرير نشرته وكالة الأنباء السعودية في 24 مارس / آذار الماضي.

وبحسب تحليلات غربية، فإن إيران فسرت هذه التحركات العسكرية مؤخرا على أنها يمكن أن تكون تلويح بإمكانية حدوث تدخل عسكري خليجي عربي تركي في اليمن لو دعت الضرورة.. وبعثت إيران بدورها برسالة واضحة للسعودية على هذه التحركات من خلال تدريبات عسكرية نفذها الحوثيون في يوم الخميس 12 مارس/آذار الماضي على الحدود اليمنية السعودية، وهو ما قابلته الرياض سريعا بتدريبات مماثلة.

عاصفة الحزم

كل هذه التحركات كان انطلاق «عاصفة الحزم» هو أول اختبار لمدى نجاحها، فأصدر حزب الإصلاح المحسوب على الإخوان في اليمن بيانا يؤيد فيه العملية، وفعلت حركة «حماس» الشيء ذاته، وإن كان البيان الصادر عنها قد حمل لمحة دبلوماسية بالتأكيد على أن الحركة تقف مع الشرعية السياسية وخيارات الشعب في اليمن.

وعرضت تركيا تقديم دعم لوجيستي لتحالف «عاصفة الحزم»، وقال وزير الخارجية التركي «مولود جاويش أوغلو»، في مؤتمر صحفي خلال زيارة لليتوانيا: «أعلنت تركيا أن بمقدورها تقديم دعم لوجيستي ومخابراتي، لكننا نؤيد الحلول السياسية».

أما مصر فقد أرسلت 4 قطع بحرية للمشاركة ضمن قوة «عاصفة الحزم»، وأكد الرئيس المصري يوم السبت الماضي بعد اجتماع استمر لمدة 6 ساعات مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة أن «مصر ستتصدى بكل ما أوتيت من قوة لمن يقترب من الأشقاء في الخليج»، مؤكدا في الوقت ذاته أن مصر تتحرك في اتجاه الحل السياسي في اليمن.

واتخذت باكستان نفس الموقف، وقال رئيس وزراء باكستان «نواز شريف» في بيان صادر عن مكتبه، الجمعة الماضي، بعد اجتماع بحضور كبار المسؤولين الحكوميين والعسكريين، إن بلاده «ستقف إلى جانب المملكة العربية السعودية، وسترد بالقوة على أي عدوان يستهدف أمنها الإقليمي».

لكنه في وقت سابق، لم يخف تطلعه للحل السياسي، ودعى كافة الأطراف المتحاربة في اليمن لحل الأزمة بالوسائل السلمية، وذلك خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيرة التركي «أحمد داوود أوغلو» الخميس الماضي.

التأكيد المصري والتركي والباكستاني على تقديم الدعم لـ«عاصفة الحزم»، رغم الحرص في نفس الوقت على الحل السياسي، يتسق مع الموقف المعلن للسعودية من إطلاقها للعملية العسكرية.

الحوار ممكن

وتسعى السعودية إلى دفع كافة الأطراف في اليمن إلى الحوار السياسي لحل الأزمة، وذلك انطلاقا من الاعتراف بشرعية الرئيس اليمني «عبد ربه منصور هادي»، بحسب الهدف المعلن لـ«عاصفة الحزم».

وقال وزير الثقافة والإعلام السعودي، «عادل بن زيد الطريفي»، في بيان له بعد انتهاء أعمال مجلس الوزراء الذي ناقش الأوضاع في اليمن يوم 30 مارس/آذار الماضي «المملكة تفتح أبوابها لجميع الأطياف السياسية اليمنية الراغبة في المحافظة على أمن اليمن واستقراره للاجتماع تحت مظلة مجلس التعاون في إطار التمسك بالشرعية ورفض الانقلاب عليها وبما يكفل عودة الدولة لبسط سلطتها على كافة الأراضي اليمنية وإعادة الأسلحة إلى الدولة وعدم تهديد أمن الدول المجاورة».

وربما ينصرف نفس الأمر على إيران، فالهدف السعودي الاستراتيجي النهائي من «عاصفة الحزم» هو «ردعها» من خلال «إضعاف نفوذها الإقليمي» دون المواجهة المباشرة معها، وذلك من خلال ما سبق من تحركات وسياسات وترتيبات، كان من بينها العملية العسكرية في اليمن، التي أظهرت ما يشبه ميلاد التحالف السني.

وسبق وحدث في أوائل التسعينات مصالحة بين طهران والرياض قادها الرئيس الإيراني الأسبق «هاشمي رافسنجاني» وتوقف على إثرها نشاطات المعارضة والدعاية المعادية على الجانبين وأسست قنصليات وفتحت الأجواء لطيران البلدين والتبادل التجاري، ودام ذلك لبضع سنوات قبل أن تنتكس العلاقات مرة أخرى.

والآن، بعد أن تخلت إيران عن مشروعها النووي، ربما تكون أحد السيناريوهات المطروحة لديها هو السعي  للسلام مع محيطها الإقليمي، وستجد حينها انفتاحا من الخليج وفي مقدمته السعودية، لأن الأنظمة الخليجية عادة ما تميل إلى المسالمة.

 

المصدر | حازم بدر - الأناضول