نعم كان كذبة الأول من نيسان، ففي لبنان لا شيء يأتي في وقته، وقانون السير الجديد الذي طالما ادّعت الدولة بأنها جاهزة لتطبيقه، في الأول من نيسان الجاري، ثم عادت وأجلت تطبيقه إلى الخامس عشر من الشهر نفسه، هي نفسها التي تحاول اليوم التمهيد، عبر الوزراء المعنيين، لتنقل لنا بشارة التأجيل القابل للتمديد ربّما إلى ما بعد بعد منتصف نيسان الموعود. وإذا سلّمنا بديهياً بأن الدولة اللبنانية أعجز من ان تطبق قانون سير عصريًا مع طرقات أكل الدهر وشرب على حفرها، وعتمتها التي تصلح لمؤثرات فيلم هوليودي مرعب، يجب ألا ننسى أيضاً المواطن اللبناني الذي عجزت ذاكرته أيضاً عن التمسك بالحد الأدنى من ثقافة السلامة المرورية، ويتعاجز عن استيعاب، قوانين جديدة تتجاوز بعض غراماتها الحدّ الأدنى للأجور، في ظل خريطة طرقات غير مطابقة، أساساً، للسلامة المرورية.

لم يعرف السير في لبنان الراحة يوماً، أينما توجّهت تجد زحمة السير في انتظارك، ويواجه المواطن مشاكل كثيرة تجعل تنقلاته جهادًا يومية في سبيل لقمة عيشه، يعود بعض هذه المشاكل الى قدم الشبكة وعدم تجهيزها بالمطلوب، وهذه مسؤوليات الدولة، بينما يعود بعضها الآخر الى جهل المواطن نفسه، أو تجاهله أنظمة السير وعدم احترامه قوانين سلامة مروره ومرور الآخرين، ما يزيد أزمة السير ويفاقمها. ولعلّ الخوض في الحديث عن المسؤول الأول والأخير في هذه القضية أشبه بالسؤال العقيم "من جاء أولاً: البيضة أم الدجاجة؟". ولكن يمكننا، أن نبدأ من أنفسنا ونبحث في خبايا الذاكرة عن معاني إشارات السير المنسية، ثم نطلق من بعدها عنان التساؤل ليأخذ حقه من المعنيين. فهل كل إشارات تنظيم السير تعمل، وكم من اشارة سير نسيها "المبرمج" على الاحمر أو الأخضر "إلى حين حادث"، وكأن الدولة اللبنانية تعلم المواطن احترام الاشارة ومن ثم تعلمه مخالفتها. وإذا ما تغاضينا عن إشارات المرور، وكم تتوافق بنية الطرقات اللبنانية مع السلامة المرورية، من حفر، إضاءة، تخطيط، وغيرها من الظواهر اللاصحية وغير المطابقة لا لقوانين سير من جهة، ولا لحجم التزايد السكاني من جهة أخرى. وعن أي تطبيق يتحدثون، وعلى سبيل المثال لا الحصر، كيف يمكن أن نتحدث عن حقوق المشاة وواجباتهم، في حين أنه ليس من معابر للمشاة في طرقاتنا؟ وكيف لنا أن نتحدث عن احترام إشارات المرور، بينما نرى اشارة مُعطلة، واخرى متوقفة، وثالثة تعمل، ويخالفها شرطي السير حسب الحاجة.

تفاوت آراء
تتفاوت آراء اللبنانيين حول قانون السير الجديد ومخالفاته، وجلّ ما يعرفونه عنه هو أنه قانون ذو غرامات عالية لن يتطبق إلا على "الفقير" منهم، كون أي قانون في لبنان، جديدًا كان أم قديمًا، يخضع لنوع من الاستنسابية، بفعل التدخلات السياسية والمحسوبيات. فأمل، ليست على معرفه كاملة بقانون السير الجديد ولكنها على إطلاع ببعض المواد التي تم تداولها على وسائل الإعلام بشكل خاص، كالغرامات المالية المرتفعة وسحب رخصة القيادة، ولكنها تؤكّد أن قانون السير لن يطبق كما يجب وسيبقى مجرد حبر على ورق ووحدها "المرجلة" ستكون على "المعتر"، ولا تنسى أمل بأن هناك جزءًا كبيرًا من المسؤولية على الأفراد أنفسهم، فـ"قلّة قليلة من المواطنين الذين يمتثلون للقانون، فنحن نعيش في فوضى عارمة وندفع ثمنها من دمنا وحياتنا وحياة الغالين على قلوبنا".
أما سليم فيرى بأن قانون السير الجديد عصري ومتطوّر، ويُعتبر حلاً مثالياً لتأمين حياة المواطنين على الطرقات ولكنه يعتبر بأنه كان من الافضل على الدولة "قبل أن تنص القوانين وتطبقها، أن تبدأ بتأهيل الطرقات من إنارة وإشارات سير وصيانة دورية، لتتوافق مع مثل هذا القانون". يوافقه مروان الذين يشدد على وجوب "تأمين البيئة الملائمة لتطبيق هذا القانون العصري ليعطي ثماره الحقيقية في تخفيف نسبة الحوادث والموت المجاني على الطرقات" ويضيف جازماً بأن القانون "سيطبق لفترة قصيرة تماما كما غيره من القوانين كقانون منع التدخين". وأجمع المارّون على وجوب أن يترافق قانون السير الجديد بحملات إعلانية عن مضمونه، ليتعرفوا عليه أكثر، بالإضافة إلى تأمين البيئة الملائمة لتطبيقه على الجميع من دون محسوبيات.

لا تطبيق فعلي
وكان وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق أعلن ، منذ أيام، بأنّ قانون السير سيتمّ تطبيقه "تدريجيا على أشهر" بدل تطبيقه دفعة واحدة في منتصف نيسان الجاري كما كان مقرراً. وأكّد في حديث تلفزيوني، أنّ وزارة الداخلية ستشرف على "حملة إعلانية وإعلامية مكثفة طوال ثمانية أسابيع ليعرف المواطن ما هو هذا القانون". ويؤكد كامل ابراهيم، أمين سر جمعية "اليازا" لـ"البلد" أن لا تطبيق فعليًا لقانون السير الجديد في المدى القريب "إلا في حال وُجدت الإرادة الفعلية من الدولة لعلاج هذه القضية"، وأسباب تأجيل التطبيق واضحة فـ"الدولة اللبنانية غير جاهزة بعد، ليكون لديها أولوية لمعالجة موت الناس على الطرقات بشكل جدي ومنهجي، وفعلياً سيطبق القانون على بعض المواد التي يمكن أن تشكل خطرًا، بعيدا عن نظام النقاط والاصلاحات الأخرى. فنحن اليوم على بعد أيام قليلة من منتصف نيسان، وما زلنا لا نلمح الجدية إلا على مستوى بعض الادارات وعلى صعيد بعض الاشخاص المهتمين، ولم نرَ بعد خطة من الحكومة اللبنانية لتواكب تطبيق القانون، ولم تبدأ وزارة الأشغال بتأهيل الطرقات وتوزيع إشارت السير، وهذا يعود إلى انعدام التنسيق بين الوزارات والإدارات المعنية، وبالتالي عدم تجهيز المكننة وسجل النقاط التي سيتم سحبها، فسحب النقاط ومواد كثيرة أخرى غير قادرة الدولة على تطبيقها في 15 نيسان". ويشدّد ابراهيم على أن العبرة لا تكمن فقط في تطبيق القانون بل في فعالية التطبيق، وهذا ما لا يمكن حدوثه من دون خطة شاملة من الدولة اللبنانية .

عكس السير
وفي ما يخص التزام المواطنين اللبنانيين وغياب الثقافة المرورية، يقول ابراهيم إنه عندما نتكلم عن خطة وطنية شاملة يكون من ضمنها تطبيق قانون السير ومن ضمنه أيضاً دور وزارة التربية، وزارة الاعلام والوزارات الأخرى المعنية، في تعريف المواطن على مبادئ السلامة المرورية. مشيراً إلى أنه لا بد للطابع الفوضوي لدى المواطنين من أن يكون له تأثير سلبي على تطبيق القانون، ولكن المسؤولية الأولى والأخيرة هي على الدولة اللبنانية، فـ"هذا اللبناني الفوضوي في لبنان هو نفسه ذلك المواطن الملتزم في بلدٍ آخر، فهو فوضوي لأن لا قانون يردعه أو يحاسبه"، وليس هناك مواطن لا يعلم بأنه يتوجب عليه الالتزام بوضع حزام الامان، ويحظّر عليه قطع الإشارة الحمراء، أو لا يدرك بأن هناك ما يسمى عكس السير "هي امور بديهية ويعرفها المواطنون، ولكن الازمة تكمن في عدم تطبيق القانون".
وهنا أيضاً يمكننا العودة إلى مبدأ الفوضى النابعة من عدم حصول المواطن على أدنى حقوقه المتمثلة بطريق سالكة لا أكثر، أما قانون السير الجديد والذي استغرق إقراره ثماني سنوات، فنتمنى له ألا يسير مُكرها عكس السير، وألا يستغرق تطبيقه أيضاً ثماني سنوات أخرى.