منذ الدقائق الأولى من إعلان التفاهم بين إيران والدول الست الكبرى، تم خلال المؤتمر الإعلامي المشترك بين وزير خارجية إيران، والمنسقة الأوروبية للشؤون الخارجية فيديريكا موغريني، بدأ المحافظون المتشددون في إيران بالتهجم عليه، واعتباره إهداراً لما حصلت عليه إيران في مجال الطاقة النووية، وأنه استسلام وليس أكثر.

هذا واستياء المتشددين سبق الاعلان عن التفاهم، حيث أنهم كانوا ممتعضين من الدور البارز الذي لعبه الوفد الأميركي خلال لقاءاتهم الثنائية مع الوفد الإيراني، وكان يوحي بأن الجدار الفاصل بين الطرفين انهار، وأصبح شعار الموت لامريكا لا معنى له عند ما يرى العالم بأن الوزير الخارجية الإيراني ونظيره الأميركي يتمشيان في شوارع جنيف، ويجلسان على طاولة المفاوضات.

هذا الدور البارز الأمريكي كان كفيلا بعدم ثقة المحافظين بمضمون التفاهم بين الطرفين، لأنهم لم يعهدوا طيلة أكثر من ثلاثة عقود ما يبعث على التفاؤل بدورهم، ولهذا كرر المرشد الأعلى في أكثر من مناسبة بانه لا يثق بالامريكيين. أول تصريح من قبل المتشددين جرى على لسان حسين شريعت داري رئيس تحرير صحيفة كيهان الذي اعتبر أن إيران سلمت حصانا مجهزا وتسلمت حبلا مهترأ.

وفي مقالته المفصلة يتساءل حسين شريعت مداري عما اذا كان هناك بنود في التفاهم تؤمن حق إيران، ويعد جملة من تنازلات إيران، قائلاً: تجميد التخصيب الصناعي، خفض الأجهزة الطرد المركزي من 19 ألفا الى 4 ألاف، تجميد التخصيب في منشآت فوردو، تحويل 10 ألاف من اليورانيوم المخصب الى 300 كيلو، قبول تطبيق البروتوكول الملحق لمدة 25 عاماً، مقابل تجميد العقوبات وليس إلغاؤها، لا يبعث الفخر والاعتزاز.

وفي اليوم الاثنين الماضي استدعي محمد جوا ظريف ومعاونيه في المفاوضات، الى البرلمان، من قبل نواب متشددين، وأدى الاجتماع المشترك الى مشادات كلامية اتهم ظريف خلالها، النائب المحافظ كريمي قدوسي بالكذب، عند ما ادعى بأن المرشد الأعلى أعطاه إنذاراً بسبب مواقفه تجاه الطرف الآخر. يقول المحافظون إن التفاهم الذي حصل بين الطرفين، لا تؤمن المصالح الإيرانية، أو أن الوفد الإيراني تخطى الخطوط الحمر في التفاهم.

وأفاد موقع فارس التابع للحرس الثوري، إن طلابا جامعيين ينوون الاعتصام امام البرلمان احتجاجا على ما يسمونه " الخسارة في لوزان، وإظهار الفوز بطهران" مما يعني أن الجماعات القريبة من الحرس الثوري، يعتبرون التفاهم النووي خسارة لإيران. كما صرح مستشار قائد الحرس الثوري حميد مقدم فر إن هناك قلائق من التفاهم النووي يجب إزالتها من دون أن يفصح عن تفاصيلها.

هذا والقرارات العامة في إيران إنما يتم اتخاذها بعد قبول المرشد الأعلى بها، ولكن هذه المرة وبعد حصول التفاهم النووي، لم يصرح المرشد الأعلى بشيئ لا بالقبول ولا بالرفض، وربما هذا الصمت الطويل الممتد إلى أكثر من اسبوع، يوهم البعض بأنه غير راض عن التفاهم، على الرغم من أن رئيس أركان القوات المسلحة الإيراني الجنرال فيروز آبادي وجه رسالة تهنئة للقائد العام للقوات المسلحة آية الله خامنئي، على ما اعتبر الفوز في الملف النووي، كما أن رئيس البرلمان الإيراني أيضا هنأ على الفوز النووي.

ووفق النائب جعفر آبادي، إن أغلبية النواب، في البرلمان الإيراني تدعم المفاوضات والتفاهم الناتج عنها، بالرغم من التوتر الذي أحدثه نواب متشددون في البرلمان خلال الاجتماع مع الموفد المفاوض.

ملخص الكلام أن وقف التخصيب في منشآت فوردو العصي على القصف، وموضوع تجميد العقوبات - وليس إلغاؤها- الذي يتردد على لسان المسؤولين الأميركيين، يشكلان أهم المحاور في نقد المحافظين للتفاهم، والحقيقة أن إيران لم تبدأ التخصيب في فوردو، وإنما نقلت قسماً من التخصيب الى هناك بعد تعرض منشآت نطانز لتهديد القصف السرائيلي، وموضوع التجميد أو إلغاء العقوبات، ناتج عن التفسير، حيث أن الاميركيين يستوحون من روح التفاهم، أن هناك تجميد للعقوبات، حيث يبقى مجال لاستعادتها حينما تنقض إيران الاتفاق، ولهذا يستخدمون كلمة التجميد، إرضاءاً للجمهوريين، بينما ينص التفاهم على رفع العقوبات.