هناك غموض يكتنف ما يجري الآن بين إيران والدول الست الكبري خلال المفاوضات النووية، وأحد أسباب هذا الغموض هو عدم الاتفاق على الاتفاق، أي عدم اعتبار ما يجتمع عليه الطرفان، اتفاقاً وهذا الأمر سيضلل الكثيرين عند ما سيتفاجأون بعبارة التفاهم بدل الاتفاق.

لو نعود قليلاً إلى نهاية ديسمبر الماضي حيث اتفق الطرفان في نهاية المفاوضات على تمديد مهلة المفاوضات عبر وضع خارطة للطريق وهي عبارة عن جدول لمسار المفاوضات، وصولاً الى الاتفاق النهائي، وكان المقرر أن يصل الطرفان حتى نهاية مارس - أي قبل يومين- إلى التوافق على العموميات، وفي المرحلة الثانية أي المرحلة النهائية، يصلا إلى الصيغة النهائية للاتفاقية النووية مع ذكر التفاصيل.

وبما أن الاتفاق في المرحلة الاولى هو الأهم وهو الأساسي وليس المرحلة الثانية، التي تتعلق بتفاصيل رفع العقوبات. ونظراً لعدم ثقة المرشد الأعلى الإيراني آية الله خامنئي، بالغرب وخاصة بالولايات المتحدة، الذي عبر عنه مرات عدة، فضلاً عن أنه غير متفائل اساساً بالمفاوضات، ولا يرجو منه خيراً لبلاده، فمن الطبيعي له أن يشكّ في نوايا الطرف الآخر، وانطلاقاً من تلك الرؤية المتشائمة، أعلن بأنه لن يقبل اتفاقاً ذا مرحلتين، بل يجب أن يكون الاتفاق في مرحلة واحدة تشمل العموميات والتفاصيل، كما يجب أن يكون رفع العقوبات دفعة واحدة كمكون أساسي للاتفاقية.

واضطر الفريق الإيراني إلى فرض تعديل كلمة الاتفاق بالتفاهم على الطرف الآخر استجابة لتوجيهات المرشد الأعلى، ورضخ الأمريكان بهذا المطلب.

الفرق بين الاتفاقية وبين بيان التفاهم، هو أن الاتفاقية، تُعتبر وثيقة ملزمة لا يمكن التخلف عنها، بينما التفاهم لا يرقى بهذا المستوى من الالزام، والايرانيون متخوفون من إعطاء التعهد بالالتزام بمطالب الطرف الآخر قبل رفع العقوبات أو قبل اطمئنانهم برفعها.

وعليه ما يخرج اليوم من قبل المفاوضين بلوزان، هو عبارة عن بيان التفاهم، وليس الاتفاقية التي ستصدر بنهاية شهر يونيو حزيران 2015 وسترفع العقوبات. وبما أن الطرف الأميركي بحاجة ماسة إلى وثيقة لتقديمها للكنغرس من أجل إقناع النواب، فإن الطرف الإيراني المفاوض، سيؤمن له هذه الوثيقة ولكنها ستبقى سرية، على أن يُعلن عنها خلال الاتفاقية الواحدة الموحدة.

وهكذا ستبقى ظلال التشاؤم بصدقية الولايات المتحدة مخيمة على طاولة المفاوضات النووية، حتى الساعات الأخيرة من هذا الماراتون المتعب الطويل.