مرة أخرى يبدو الملف السوري متعلقاً بالملف اليمني. في المرة الأولى كان الحل اليمني هو ما يُروّج له ضمناً عند الحديث عن حل سياسي في سوريا، وقد تنقّلَ تبني النموذج اليمني بين طرفي الصراع الإقليمي والدولي. ففي البداية كان مرفوضاً تماماً من قبل حلفاء النظام السوري، ثم عندما تبينت هشاشته وتقدّمَ الحوثيون لاحتلال اليمن أضحى الأخير نموذجهم المفضّل. بهذا المعنى، صار النموذج الحوثي أداة إيرانية في سوريا، ولغماً يوضع تحت الحل الذي تسوّق له بعض القوى الكبرى.

الآن، بينما يخوض التحالف العربي عملياته ضد الحوثيين، يتراجع الملف السوري إلى الوراء في انتظار ما ستسفر عنه المواجهة الخليجية الإيرانية في اليمن. الانتصار الإيراني في المواجهة غير مسموح به إقليمياً أو غربياً. الاحتمالات تتراوح بين انتصار التحالف أو التوصل إلى تسوية تُبقي بعض النفوذ الإيراني، أي تُضعف الحوثيين من دون القضاء عليهم نهائياً. الاحتمال الأخير قد يكون الأكثر انسجاماً مع سياسة إدارة أوباما، لجهة انعكاسه على مجمل الصراع الإقليمي، حيث تعمل الإدارة طوال مفاوضاتها النووية مع إيران على مستوى معين من إدارة الصراع، من دون العمل على إنهائه أو إرضاء أي طرف من أطرافه.

أيضاً، ليس محسوماً أن يؤدي الانتصار الخليجي في اليمن إلى قطف ثمار سوريّة له، لجهة إضعاف إيران في مجمل مناطق نفوذها الإقليمي. فاليمن لم يكن أصلاً من ضمن حسابات موازين القوى التقليدية في المنطقة، وكان هامشياً مع اعتباره منطقة حيوية لأمن الخليج. وربما في اليمن تحديداً، بعد العراق، برزت أهم أخطاء مجلس التعاون الخليجي الذي لم يقبل بعضوية اليمن فيه، فتُرك كبلد فقير هامشي يسهل اختراقه. على هذا الصعيد، لا يخلو من دلالة أن يتمدد النفوذ الإيراني في خاصرتي الخليج المتروكتين، حيث كان مخططاً لليمن أن يلتحق بالعراق. ومع أن دول الخليج انخرطت في الشأن العراقي منذ حرب تحرير الكويت وصولاً إلى إسقاط صدام حسين إلا أنها لم تحصد ثمار مجهودها ذاك، ولم تعمل على تثميره.

الاستفاقة الخليجية الحالية قد تكون فألاً حسناً على الصراع السوري، فقط إذا كانت بداية لإعادة التوازن إلى المنطقة بعد الترويج لوقوعها ضمن الدائرة الإيرانية. ومن المستحسن نزع الطابع المذهبي عن هذا الصراع، الطابع الذي فرضته إيران من جنوب لبنان وصولاً إلى اليمن. العبرة الأساسية ليست في الوصول إلى توازن بين مختلفين مذهبياً، بل هي في إقامة توازن إقليمي يلجم التطلعات وأوهام التوسع لدى مختلف الأطراف. فقط إذا تشكلت قناعة من هذا القبيل لدى القيادة الإيرانية فسيكون التحالف العربي ضد الحوثيين أدى خدمة للسوريين، أما إذا حاولت إيران التعويض في سوريا، وإذا سُمح لها بذلك أميركياً وإقليمياً فسيكون السوريون في موقع من يدفع الثمن مرة أخرى. ولا ننسى أن بعض الدول العربية المشاركة في الحلف له مواقف غير مشجعة إطلاقاً تجاه الموضوع السوري. فمصر السيسي مثلاً تكاد تجهر بتفضيلها بقاء النظام السوري، ومشاركتها في التحالف "كنوع من رد الجميل" لا يُبنى عليها توقعات أكبر فيما يخص ملفات أخرى، ولا يُبنى عليها توقعات تخصّ الانفراج تجاه المعارضة المصرية نفسها لينتظر السوريون منها دوراً إيجابياً.

هناك من يربط، طامحاً، بين خسارات النظام في درعا وإدلب وعمليات التحالف في اليمن، بخاصة مع الدعم التركي المعلن للتحالف. غير أن هذا الربط المتفائل بتنسيق إقليمي ودولي عالي المستوى لا يستند إلى معطيات جدية، باستثناء تراجع حدة الخلافات العربية التركية، وربما الأمل بأن تسمح إدارة أوباما للاعبين الإقليمين بالتدخل في سوريا على المنوال اليمني. الأقرب إلى الواقعية من تلك التمنيات أن موسم الغرور الإيراني أخذ بالتراجع منذ الفشل على جبهتي الشمال والجنوب في سوريا، ولا شك أنه يتلقى ضربة قاصمة في اليمن. لكن المعنويات المرتفعة وحدها لا تجلب النصر، وتجربة السوريين مُرّة مع خطوط الإمداد التي تنقطع فجأة، وهي لا تقل مرارة عندما تُفتح على الوجه الذي لا يتمنونه أو لفصائل لا تنسجم مع تطلعاتهم أصلاً.

في كل الأحوال، هناك صراع سوري داخلي أجّل حسمه منذ أربع سنوات الصراع على سوريا الذي يعلنه في كل يوم رعاة النظام، لكن لا يُنتظر من أي تطور إقليمي حسمُ هذا الصراع، إلا إذا أذِن بسقوط النظام أخيراً. بعبارة أخرى، إذا لم تكن عمليات التحالف في اليمن مفيدة فلن تكون مضرة بالسوريين. وحتى احتمال انضواء العمليات ضمن رؤية دولية لاقتسام مناطق النفوذ لا يعني أبداً النجاح في فرضها، مع ترجيح عدم وجود تلك الرؤية الصارمة فيما يخص الملف السوري. أما أن يتراجع الملف السوري لصالح الاهتمام بالملف اليمني فقد بات من المعتاد تراجعه لحساب الملفات الأخرى، ربما لأن العديد من القوى يودّ حسم المواضيع الإقليمية الأخرى قبل التقدم في الموضوع السوري، فحينها لن تكون هناك ملفات عالقة تحتذي به.