لم يكن ممكناً ولا مقبولاً، الاستسلام «للسكين« وهي تقترب بسرعة من الوريد. سقوط اليمن بيد تحالف الحوثيين وعلي عبدالله صالح والإيرانيين، كان سيضع نقطة الخاتمة على تغيير انقلابي شامل وكامل. ما رفع منسوب الخطر، أن الانقلاب توافق مع الجلسات الأخيرة للمفاوضات النووية الأميركية الإيرانية، والكلام المتزايد عن قيام شراكة كاملة بين الولايات المتحدة الأميركية والجمهورية الإسلامية في إيران. تناسى الجميع أن الشرق الأوسط هو أرض المتغيرات والانقلابات والعواصف. لذلك اجتاحت «عاصفة الحزم» العالم بسرعة قياسية. بعض الوقائع تفرض قراءة واقعية لما جرى، وتضع في الوقت نفسه الأسئلة الموضوعية التي تنتظر إجابات واضحة في المستقبل العاجل.

[نجح خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، في صياغة تحالف عربي عسكري عنوانه الأوّل: «الآن وليس غداً»، وسط تكتم وصمت استثنائي، أثبت الملك سلمان وهو الذي تولّى العرش قبل أسابيع قليلة أنه رجل دولة مقتدر وحازم.

[إن التحالف الواسع هو تحالفان في واحد. الأول عربي عربي كما لم يعرفه العالم العربي منذ عقود طويلة مرهقة رفعت منسوب الخسائر إلى أقصى حد. وحلف إقليمي يبدأ من باكستان وتركيا وصولاً إلى السعودية، هذان الحلفان اكتمل عقداهما بعد أن دقت الجمهورية الإسلامية في إيران أبواب دول الخليج وفي مقدمتها السعودية.

الجميع شعر بالخطر، أن يكون هذا التقدم الإيراني تحت بنود الاتفاق النووي الأميركي الإيراني، خطوة الى الأمام لفرض مواقفها على مواقف الجميع، إلى جانب ظهور «شياطين» المذهبية في التحرك المختلطة بالمشاعر والمواقف القومية الإيرانية، التي تبارى العسكريون والسياسيون الإيرانيون في صياغتها وكأنها مسارات للتطورات القادمة.

[الحوثيون لهم حيثيتهم ووجودهم في اليمن فهم يمثلون حوالى ربع السكان. من حقهم كما كل الأقليات في المنطقة أن يكون لهم حصة كريمة وبكرامة من السلطات وأن يرفعوا عنهم أي ظلم أو سوء معاملة وقعت في الماضي القديم والحديث. لكن أيضاً ليس أن يكونوا أقلية مظلومة ويُصبحوا أقلية تعمل لاحتكار النظام بالقوة.

تحالُفُ الحوثيين مع علي عبدالله صالح وبدعم مفتوح من إيران شجعهم على التقدّم من صنعاء إلى عدن وتهديد السعودية. حتى ولو لم يحصل تدخل بَرّي فإنهم الخاسرون، لأن التفاهمات بين الدول تكون دائماً على حساب الأطراف الداخلية.

[إن إيران التي استقوت بحضورها العسكري والسياسي في أربع عواصم عربية هي دمشق وبغداد وبيروت وصنعاء وحتى غزة، تناست قواعد إستراتيجية أساسية.

الجنرال قاسم سليماني، الذي تحوّل الى «نجم» بعد أن كان «شبحاً» يقود الميليشيات والخبراء، ارتكب خطأ كبيراً عندما تحدّث عن الأردن وأنه مستعد لوضع يده عليه، اعتذاره عن هذا التصريح القاتل لم ينفعه.

الأردن ليس مجرد دولة صغيرة وضعيفة. الأردن نقطة قطع ووصل على خريطة المنطقة، لا يمكن اللعب بها. لو قرأ الجنرال سليماني أهمية موقع الأردن، أن حافظ الأسد قصف بالطيران الدبابات السورية التي أرسلها رئيسه صلاح جديد عندما هاجمت الأردن عام 1970، لما انزلق هذه «الزحطة» القاتلة. أيضاً لو أن القيادة الإيرانية أوقفت تقدم الحوثيين عند صنعاء، ولم تدق معهم باب المندب بقوة، لما اضطر الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى دعم «عاصفة الحزم» وأن يتعامل «القيصر بوتين» معها بديبلوماسية. التاريخ غافل «الشراهة الإيرانية»، فلم يلاحظوا أن جمال عبدالناصر تلقى ضربة 1967 القاضية بعدما أقفل إيلات واقترب من باب المندب الذي يشكّل باب الأمن الاستراتيجي للعالم كله وليس الولايات المتحدة الأميركية.

«العاصفة» قلبت الطاولة. الآن يجب انتظار ما سيحدث لتحديد حجم الأرباح والخسائر معاً. وقوف تركيا مع التحالف وتحذيرها إيران، يؤكد «الرسالة» العربية والإقليمية والدولية، أن المنطقة لا تحتمل هيمنة أحد، وأنها تكون للجميع أو لا تكون.

الرئيس باراك أوباما، يتابع لعبته المفضلة في ترك كل القوى تتقاتل وتتنافس وتتزاحم. في النهاية هو شريك بالأرباح وأما الخسائر فالآخرون يدفعونها حتى الإنهاك والقبول بالواقع.

قبل أربعة أيام من انتهاء المفاوضات، وبعد «عاصفة الحزم» لا يمكن لإيران «أن تدق «الطاولة» وكأنها وحدها في مواجهة الأميركيين. يوجد «شركاء» غائبون حاضرون يجب أن يؤخذ حسابهم جديًّا، لأنهم أبناء هذه الأرض ماضياً وحاضراً ومستقبلاً.