لم يكن أكثر حلفاء إيران تشاؤماً يتوقع ردة فعلٍ سعوديّة بهذا الشكل وهذا الحجم، وفقاً لما أفاد به عدد من حلفاء إيران، الذين كانوا يعتقدون أن ردة الفعل السعوديّة تجاه تقدّم جماعة "أنصار الله" (الحوثيون) في اليمن، ستقتصر على الموقف السياسي، ولا يُمكن أن تتعدّاها إلى فعلٍ عسكري في هذا الحجم، لا بل إنه حتى قبل ساعات من بدء ضربات عملية "عاصفة الحزم"، كان مقرّبون جداً من إيران يتحدثون عن الأبعاد الاستراتيجيّة للسيطرة على اليمن والعراق.   ويرى حلفاء إيران أن الخطوة السعوديّة تُعيد إنتاج أبرز المواجهات السعوديّة ـ الإيرانيّة، وهذا أمر لا يُمكن لنتائجه أن تقف عند حدود اليمن، إذ يُردّد الحلفاء بأن السعوديّة وضعت إيران في خطوتها العسكريّة هذه في الزاوية، وبالتالي عليها أن تتوقع ردة فعلٍ قاسيةٍ من إيران.   لكن أين يُمكن لردّة الفعل هذه أن تحصل؟ تتقاطع المعلومات والتحليلات لدى مصادر مختلفة على أن سورية ستكون الساحة الأبرز للردّ الإيراني، ولهذا الأمر أسبابه. أولاً، لم يكن الفعل السعودي موجّهاً لإيران مباشرةً، لذلك لن يكون الردّ الإيراني من قبلها مباشراً. وبالتالي، "وكما كانت الضربة لتنظيم قريب من الإيرانيين، فإن الردّ سيكون من تنظيم قريب من إيران، أي حزب الله"، كما تقول مصادر لبنانيّة مطّلعة.   ثانياً: أي ردّ إيراني محكوم بحسابات المفاوضات النوويّة مع الولايات المتحدة. ورغم أن الإيرانيّين وحلفائهم يُكررون أن هذه المفاوضات لا تتناول إلا جانب الملف النووي، "وبعد الانتهاء من الملف النووي، يُناقش الإيرانيون قضايا المنطقة من موقع قوة، لأنهم مسيطرون على الميدان في العراق واليمن وسورية"، كما كان يُردد حلفاء لإيران، لكن هذا لا يعني أن إيران تملك القدرة على إشعال معارك إضافيّة في المنطقة، وتُبقي المفاوضات بمنأى عن تأثير هذا الإشعال.   " مصادر لبنانية تُشير إلى أن الأسبوع المقبل قد يحمل تحولات أخرى فيما لو استمرت العمليات لأكثر من أسبوع   " ثالثاً: الساحة التي يستطيع حزب الله أن يوجّه ضربةً للسعوديّة وحلفائها فيها هي سورية بالدرجة الأولى. فلبنان، لا يزال خاضعاً لحماية إقليميّة ودوليّة، تمنع الانفجار فيه، مثلما لا تسمح بحلٍ جدي لأزمته. كما أن حزب الله لا يستطيع إشعال قاعدة انطلاقه إلى الإقليم، ولا يستطيع جمهوره تحمّل ثمن صراع داخلي أوسع، مع ما سيحمله من تردٍ للوضع الاقتصادي وللوضع في البيئة الحاضنة لحزب الله. والأرجح أن الحزب سيعمل بالروحيّة ذاتها التي عمل بها بعد الغارة الإسرائيليّة التي استهدفت موكباً عسكرياً له في القنيطرة. إذ جاء رد الحزب حينها ضمن هامشين: ضرورة الرد لمنع تكريس معادلة عسكرية جديدة، وعدم دفع المنطقة باتجاه حربٍ شاملة.   اقرأ أيضاً: "معركة الربيع": تسهيل تمدّد المتشدّدين هدف حزب الله وإيران    رابعاً: حيّدت الولايات المتحدة مضيق باب المندب، الذي لطالما هدّد الفريق الإيراني بضربه إذا هُددت مصالحه. فهذا المضيق ليس ملفاً محلياً أو إقليمياً فحسب، بل حاجة أساسيّة للتجارة واستقرار الاقتصاد العالمي.   خامساً: بالتزامن مع الغارات السعوديّة، سحبت واشنطن ورقةً أساسيّة من يد إيران في العراق، عبر الإعلان وبدء توجيه ضربات جويّة لتنظيم "الدولة الإسلاميّة"، (داعش)، في مدينة تكريت العراقيّة، وهو ما تلاه انسحاب "جماعة إيران" من قوات الحشد الشعبي المحاصرة لتكريت. اللافت، أنه قبل ساعات من توجيه الغارات الأميركيّة، كان أحد مستشاري "الحشد الشعبي" العسكريين ينقل عن قائد "فيلق القدس"، الجنرال قاسم سليماني، أنه لن يسمح للطائرات الأميركيّة بتوجيه ضربات لتكريت، وأنه لن يقبل بتحقيق رغبة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي "بإهداء نصر تكريت للقوات الأميركيّة".   وأضاف المستشار قائلاً إن "ما يُشاع عن توقف العمليات العسكريّة ليس دقيقاً، بل هو حصار يهدف لإنهاك المسلحين، من أجل حصول انهيارات في صفوفهم بهدف تخفيف الخسائر البشريّة، كما فعل حزب الله في القصير السورية". وهذا يعني أن القدرة الإيرانيّة على الرد عبر العراق محدودة، لهذا السبب ولأسباب أخرى، أبرزها أن إيران هي اللاعب الأبرز في العراق وتهديد الأمن يعني تهديداً لمصالحها.   سادساً: يتوقّع الجانبان تصعيداً للقتال في سورية. لكن قدرة إيران وحلفائها على التصعيد في هذا البلد، تكاد تكون محدودة، إذ إن هذا الفريق سبق أن شن هجومين واسعين في شمال وجنوب سورية، وفشل في تحقيق أهدافه، رغم عدم رفد المعارضة حينها بالذخيرة الكافية والسلاح المناسب. أمّا اليوم، فتقول مصادر المعارضة السورية في الخارج، إن هناك تطوراً في كمية الذخيرة التي تدخل إلى سورية، إن عبر الشمال أو الجنوب. فتصعيد حزب الله في سورية للردّ على عمليّة "عاصفة الحزم"، يعني حكماً تحقيق خرق جدي في الشمال، عبر الاقتراب من الحدود التركيّة، وفي الجنوب عبر الوصول إلى الحدود الأردنيّة. وإذا اقتصر الردّ الإيراني في سورية وعلى هذا الشكل، فإنه يعني قبولاً بـ"الصفعة السعودية" بانتظار لحظة الردّ.   سابعاً: يُمكن المجازفة والقول إن قرار تحييد لبنان لا يزال قائماً، وأن القوى السياسيّة أيقنت أن أي تغيير جذري في الواقع اللبناني ممنوع إقليمياً ودولياً، سلبياً كان أو إيجابياً. فمن غير المسموح جرّ البلد إلى حرب أهليّة، وفي الوقت عينه، ليس مطلوباً حلّ الأزمات اللبنانية، مثل انتخاب رئيس جمهوريّة. وبالتالي، فإن حكومة الرئيس تمام سلام صامدة وإسقاطها ممنوع، وهو ما ظهر بوضوح في جلسة الحكومة يوم الخميس، أي بعد ساعات على بدء عمليّة "عاصفة الحزم". فالاختلاف السياسي الحاد حول الضربات الجويّة، لم ينعكس على الحكومة، كما أن مكوناتها (تحديداً تيار المستقبل وحزب الله)، حرصا في الأسبوع الماضي على عدم نقل التصعيد الكلامي بينهما إليها. كذلك، لم يؤثر اتهام رئيس كتلة المستقبل النيابية، فؤاد السنيورة، لحزب الله بتحضير محاولات لاغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري في المحكمة الدوليّة الخاصة بلبنان، على الحكومة. وبالتالي فقد يرتفع الخطاب السياسي ويتم تبادل اتهامات من دون تفجير جدي. لكن مصادر لبنانية تُشير إلى أن الأسبوع المقبل قد يحمل تحولات أخرى إذا ما استمرت العمليات لأكثر من أسبوع. ربما يكون ما قاله أحد المرجعيات اللبنانيّة، لـ"العربي الجديد"، معبّراً: "الجنون والاتفاق الأميركي ـ الإيراني، قد يُفجّران المنطقة بالكامل".