حزينة أنت يا بعلبك ، و بائسة أحلامك أيامك الجميلة في أفول ، و أحلامك الوردية تتكسر على شواطئ الفوضى . العبث ينخر أحيائك ، و يحول شوارعك إلى مستنقعات ، تموج بالزعار و اﻷوباش . ولى عنك زمن القيم و القلوب البيضاء ، و اجتاحك زمن الدجل و الضغينة . أين أنت اليوم ، و أية حال مزرية تعيشين ؟ بعلبك ، مدينة كل العصور ، مدينة العلم و العلماء ، مدينة التاريخ و الجغرافيا ، تغرق ، اﻷن ، في لجج المذهبية المقيتة ، و تهوي في قلب اللامبالاة و العبثية . بعلبك ، مدينة الشمس ، تستجدي اليوم شمسها ، و تفتش ، حائرة ، عن مخلصها ، و تستغيث رافعة عقيرتها ، عسى أن يلقى النداء آذانا" شريفة صاغية . بعلبك ، اليوم ، لا تعرف قانونا" و لا نظاما" ، فهى مرتع

الفوضى و مهد التخلف ؛ قانون سيرها متاهة ، و قانون جبايتها استنسابي ، و نظمها متخلفة و فاسدة ، لا حق فيها لضعيف ، فإما أن يكون ذئبا" ، أو تأكله الذئاب . بعلبك ، اليوم ، تمﻷ الحفر طرقاتها ، و تأكل المطبات إسفلتها ، تحلم بمياه الشفة ، و يروادها أمل الكهرباء و اﻹنارة ، و بين هذا و ذاك ، تعيش كابوس اﻷوساخ الذي يمﻷ ساحاتها و شوارعها ، فيحولها إلى سلة مهملات ، إن لم يكن مطمر نفايات . بعلبك اليوم ، تعيش زمن الزعار ، زمن الخوات ، زمن الخوف من طيور الظلام . بعلبك ، مدينة الشمس ، ترزح اليوم تحت جور طغمة من القباضايات ، شذاذ اﻵفاق ، الذين يعيثون فيها فسادا" و يأخذونها رهينة لمصالحهم و أهوائهم ، مستبيحين قيمها و أعرافها ، دون رادع يردعهم أو

ضابط يوقفهم عند حدودهم . لم يكف بعلبك ما تعانيه من إهمال ممنهج ، و لم يكفها حرمانها من أبسط حقوق العيش الكريم ، بل تحولت شوارعها إلى ساحات للإشتباك اليومي و العنف المستمر ، فقلما يمر يوم لا يحصل فيه إطلاق نار ، يذهب ضحيته الكثير من أهلها الشرفاء ، ظلما" و عدوانا". و أسباب ذلك كثيرة ، تتراوح بين العنتريات و الخلافات العائلية التي لا تفتر و التي لا تعرف سبيلا" لحلها إلا القوة ، و القوة فقط . أما الدولة ، أما القانون ، ففي ذمة الله يستريحان ، و جنان الرحمان يتنعمان ، و إذا ما جاء ذكرهما ، قوبل بعاصفة من الضحك و السخرية و اﻹستهزاء . و أما الكذبة اﻷمنية ( الخطة اﻷمنية ) ، فمساحتها أمتار معدودة ، لا تتعدى حدودها ، الوهمية أصلا" . فالقباضايات

يتنقلون ، رائحين غادين ، على مرأى و مسمع القوات الأمنية ، التي تحولت إلى شاهد زور ليس إلا .

فأية مصيبة ابتليت بها يا مدينة الشمس ؟ و إلى متى ستبقين رهينة التكالب السياسي الرخيص ؟

أما آن لك أن تنهضي من كبوتك المصطنعة ، و تنبعثين من تحت الرماد ، كطائر الفينيق ، لتعودين كما عهدناك ، مدينة العلم و المحبة و الجمال .