شكّل قرْع مجلس الأمن الدولي ناقوس القلق حيال استمرار الفراغ الرئاسي وحضّه اللبنانيين على إنجاز انتخابات رئاسة الجمهورية، مع استعداد المنسّقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان، سيغريد كاغ، للقيام بزيارة السعودية وايران قريباً في إطار المساعي لحل هذا الملف، مؤشراً الى دينامية جديدة تعكس رغبة في توفير ظروف ملائمة لانتخاب رئيس جديد مع اقتراب ولاية الفراغ من إتمام عامها الاول في 25 مايو المقبل.

على أن اوساطاً سياسية في بيروت، قرأت هذه الإحاطة الدولية للبنان التي عبّر عنها البيان الرئاسي الذي صدر عن مجلس الأمن على انها معنوية اكثر مما هي تقريرية لجهة القدرة على عزْل ملف الانتخابات الرئاسية عن صراع النفوذ المستعر في المنطقة والذي يُنتظر ان يبلور، في ضوء مصير الاتفاق النووي بين ايران والغرب، خريطة الأدوار الاقليمية التي يجري ترسيم حدودها بالنار.

وتعتبر هذه الأوساط، ان لا شيء يوحي بان تحرك كاغ المرتقب على خط طهران - الرياض سينتهي الى ما هو أفضل مما خلصت اليه مهمة الموفد الفرنسي، فرانسوا جيرو، الذي كان اصطدم بتصلُّب ايراني في الملف الرئاسي تمتْرس خلف تمسُّك «حزب الله» بدعم ترشيح زعيم «التيار الوطني الحر» النائب العماد ميشال عون، وهو ما قابلته السعودية برفض تكرار تجربة نوري المالكي العراقية على المستوى الرئاسي في لبنان.

وكان البيان الرئاسي الذي اقترحته فرنسا وحظي باجماع في مجلس الأمن تطرّق الى أزمة الفراغ الرئاسي، فأبدى «قلقه من الجمود المستمر منذ 10 اشهر في انتخاب رئيس الجمهورية، ما يقوض قدرة لبنان على مواجهة التحديات الامنية والاقتصادية والاجتماعية»، وحض الزعماء اللبنانيين على «التقيّد بالدستور والميثاق الوطني للبنان»، داعياً جميع الاطراف الى «التصرف بمسؤولية واعلاء استقرار لبنان ومصالحه الوطنية على السياسات الحزبية وابداء المرونة اللازمة والشعور بالحاجة الملحّة الى تطبيق الآليات المنصوص عليها في الدستور في ما يتعلق بالانتخابات». كما دعا مجلس النواب الى «التشبّث بالتقاليد الديموقراطية الراسخة في لبنان والاجتماع من اجل انتخاب رئيس من دون مزيد من الابطاء»، مشدداً على دعمه جهود رئيس الوزراء تمّام سلام في الحكم «في ظل ظروف عصيبة».

وفي موازاة ذلك، تردّدت في بيروت امس، أصداء التراشق الذي شهدته جلسة مجلس الوزراء، اول من امس، بين وزير العدل اللواء اشرف ريفي ووزير «حزب الله» محمد فنيش، على خلفية اتهام الاول للحزب في حديث الى صحيفة سعودية بـ«تبييض الأموال والتهرب من دفع الضرائب»، وهو ما دفع فنيش الى سؤال «ما داعي مشاركتنا في الحكومة نفسها إذا كان بعضنا يهاجم الآخر بهذه الطريقة؟»، متوجّهاً إلى ريفي: «هل يُعقل بصفتك وزيراً للعدل أن تكتفي بتوجيه اتهامات سياسية من هذا النوع من دون أن تقرنها باتخاذ خطوات وإجراءات قانونية؟ وأين القرائن والأدلة التي تملكها»، ليردّ وزير العدل مذكّرا بمجاهرة «حزب الله» «بعدم تسليم عناصره المتّهمين قضائياً بالضلوع في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ووصفهم بالقديسين، وكذلك الأمر بالنسبة للغطاء الذي يمنحه الحزب للشبكات المافيوية التي تتاجر بالمخدرات وحبوب (كبتاغون) والأدوية الفاسدة والمزوّرة»، غامزاً من قناة شقيق فنيش الذي ثبت لدى القضاء ضلوعه في جرائم تزوير الأدوية.

وذكرت أوساط مطلعة في بيروت لـ «الراي» ان الملاكمة السياسية بين «حزب الله» وتيار «المستقبل» (يقوده الرئيس الحريري) لا تعدو كونها صراخاً محكوماً بالضوابط التي ترعى الستاتيكو الحالي في لبنان، المرتكز على التفاهم الاميركي - الايراني الذي كانت أفضت اليه الاتصالات السرّية بين الجانبين التي حصلت في مسقط قبل اشهر، في إطار متابعة الملف النووي، وقضى بتحييد لبنان عن حرائق المنطقة.

وبحسب هذه الأوساط، فان المؤشر الأبرز على ثبات هذا الستاتيكو هو الدور الإطفائي الذي يلعبه الحوار المستمر بين «المستقبل» و«حزب الله» والذي ساهم في الاحتواء السريع للحرب الكلامية التي كانت اندلعت بين الطرفين على خلفية الوثيقة التي أصدرتها قوى «14 مارس» في الذكرى العاشرة لانتفاضة الاستقلال، والهجوم الحاد من مسؤولين في الحزب عليها وعلى رئيس «كتلة المستقبل» فؤاد السنيورة.