لا يوفّر إعلام «الممانعة» في لبنان فرصة إلاّ ويستخدمها للتهجّم على المحكمة الدوليّة الخاصة بلبنان وكل ما يتعلّق بها خصوصاً في مسألة الشهادات التي تُدلي بها شخصيّات عاصرت طيلة مرحلة الرئيس الشهيد رفيق الحريري منذ أن دخل المعترك السياسي الرسمي إلى حين استشهاده.

يفرد بعض إعلام «المُمانعة» مساحات واسعة بشكل يومي للتقليل من شأن المحكمة، إن من خلال تحوير الشهادات التي يتم الإدلاء بها وتحريفها عن مكانها الصحيح بهدف تبرئة جهة مُحدّدة، وإمّا بالتركيز على الشقّ المادي المتعلّق بتمويل المحكمة، مُظهّرين الأمر وكأن العجز في خزينة الدولة سببه هذا التمويل علماً أن الفريق «الممانع» نفسه كان أوّل من عمل على التمويل في الحكومات التي كان يُديرها بشكل فردي بعيداً عن الشراكة على غرار ما هو حاصل اليوم.

هو تشويه مُتعمّد ومُتكرّر لعمل المحكمة القصد من ورائه إظهارها وكأنها طرف سياسي في اللعبة السياسيّة اللبنانيّة تخضع لإملاءات وتوجيهات خارجيّة. محاولات يائسة كانت قد بدأت بالتركيز على دور اللواء الشهيد وسام الحسن في المرحلة التي سبقت الاغتيال «الكبير»، وازدادت في ظل الشهادات المتعاقبة التي تُدين النظام السوري وقياداته المخابراتية والعسكرية التي كانت سيطرت لعقود طويلة على لبنان. اليوم تعود هذه الممارسات، ولكن هذه المرّة عبر الشاشات ومن خلف المذياع ضمن عمليّة منسّقة هدفها تشويه عمل المحكمة وحرف مسار التحقيق مع رصد مبالغ مالية طائلة لهذه الحملة بالإضافة إلى «التهديدات المُبطّنة« للشهود من خلال زيارة منازل بعض الأهالي في الضاحية الجنوبية.

المُلاحظ أن عمليّة التشويش هذه تزداد عند كل محطّة مفصليّة بالغة الدقّة تصل اليها المحكمة الدولية في تحقيقاتها، وهذا إن دلّ على شيء، فإنما يدل على حجم الإرباك الذي تعيشه «الممانعة» وإعلامها نتيجة التقدّم الملموس في النتائج وحجم الأدلّة والبراهين الحسيّة التي تتلمّسها المحكمة الدوليّة في كل مرّة تستمع فيها إلى شاهد وهو يُدلي بمعلومات تُسمع للمرّة الاولى وغالباً ما تكون هذه المعلومات عاملاً إضافياً ونوعياً يُضاف إلى ملف الاغتيال إلى حين تكوين صورة نهائية للقضيّة قبل إعلان القرار النهائي.

في الشق السياسي المتعلّق بنهج هجوم «الممانعة» على عمل المحكمة يؤكد الوزير السابق طارق متري لـ»المستقبل» أن «المحاكمة تقوم بعملها الطبيعي بعيداً عن أي ضغوط على عكس ما يحاول البعض ان يُشيع وذلك وفقاً للمعايير الدولية والقضائية المتعارف عليها في كل دول العالم»، لافتاً إلى أن «الهجوم على المحكمة لن يؤثر على الاطلاق على طبيعة عملها، فهي وكما أتصوّر مكمّلة في طريقها الصحيح تماماً كما كانت الحال في محاكم أخرى تشبهها. أي محكمة قد تُثار حولها ملاحظات او أخذ ورد في بعض الأمور، لكن في نهاية المطاف هي عمليّة قضائية لا تتأثر بالحملات السياسيّة.»

ويضيف: «المحكمة سوف تتابع عملها وهي في الأساس لم تُنشأ لكي تتوقف لاحقاً. وهي وإن تعثّرت في بعض مراحلها أو تأخرت أو حتى تعرّضت لهجوم متواصل أو حصول خلاف سياسي حولها، فهذا أمر طبيعي لكنها في النهاية مستمرة في عملها ضمن مجالها الطبيعي». وعن مستقبل عمل المحكمة في ظل الهجمات المتزايدة يختم متري بالقول «فلننتظر وسنرى.»

هذا في السياسة، أمّا في الشق القانوني فيرى المحامي فؤاد شبقلو أنه «رغم هذا الكم الهائل من الهجومات على المحكمة الدولية وعملها، إلاّ انها تسير باندفاع ملحوظ، وهذا الهجوم يقوّيها ولا يُضعفها لأنها تُفلح بعدم الوقوع بالخطأ من خلال الطريق القويم الذي تنتهجه إضافة الى احترام شهودها الذين تُتلى شهاداتهم علناً من دون «تأتأة» ولا تردّد ولا تمييع. هذه المحكمة ناطقة «نيّال» المتهمين بها كونها محكمة تُتيح محاكمة الإنسان برُقيّ وحضارة وتمتلك سجوناً تسمح لهم بالحركة وبممارسة نشاطاتهم الفرديّة على عكس سجون النظام السوري». ويُلفت إلى أن «المحكمة ستبقى هدفاً دائماً لكل أنصار النظام السوري، وهذا الهجوم المفضوح يُضاف إلى أحاديثهم الممجوجة التي لن تُسفر سوى عن خسارتهم المزيد مما تبقّى لديهم من مصداقيّة.»

ويؤكد أن «الجرائم التي ارتكبها المتهمون باغتيال الرئيس الحريري أصبحت ثابتة بعد استماعنا إلى عدد من الشهود، وكذلك فإن قرار الاتهام أصبح ثابتاً هو الآخر بالأدلّة التي ظهرت للرأي العام. ونحن ذاهبون إلى الهدف مباشرة من خلال طريق واضح وصريح وهو اكتمال التحقيقات وتجميع الأدلّة وصولاً إلى النطق بالقرار. ومن هنا، انا أعتبر أن ربيع المحكمة الدولية الخاصة بالشهيد رفيق الحريري ورفاقه بدأ يُزهر اليوم في كل العالم وسوف يُكمل على هذا النحو حتّى النطق بالقرار الاخير.»

المتضررون من عمل المحكمة الدولية كُثر، سواء في لبنان أو خارجه، وعبثاً يحاول هؤلاء إعادة عقارب الساعة إلى الوراء رغم الأساليب المتعدّدة التي يبتكرونها على الدوام لتحقيق مآربهم وسيظلّون على حالهم هذا، لكن في المقابل المحكمة مُستمرّة في عملها الهادف إلى إحقاق الحق وليس الانتقام. ولذلك يجوز القول إن على هؤلاء المتضررين عدم الاكتفاء بما يُعلن بين مشهد وآخر او بين محطة وأخرى، فعادة ما تحمل المشاهد الخلفيّة كل البراهين والحقائق، وإذ كانت «الممانعة» بكل وسائلها قد شبّهت المحكمة بفيلم «أميركي طويل»، فما عليها إلاّ أن تُشاهد «الفيلم» بأكمله حتى عبارة «THE END».

 

علي الحسيني