في معرض دفاعه ، عن انخراط حزب الله في الحرب السورية ، صرح نصرالله ، في أكثر من مناسبة ، أن هناك سببين أساسين ، دفعا بقيادة الحزب إلى اتخاذ هذا القرار :

يتلخص السبب اﻷول في مقولة ( الحرب اﻹستباقية الدفاعية ) ، حيث يرى الحزب ، أن المعارضة السورية ، كانت تخطط لضربه في لبنان ، بعد تصفية النظام القائم في سوريا ، فكان من اﻷولى ، حسب رأي الحزب ، المسارعة إلى مواجهتها على أرضها ، حفاظا" على أمن لبنان و استقرار شعبه ، و تحييد اﻷرض اللبنانية من اﻵثار المدمرة التي ستنتج عن هذه المعركة ، فيما لو وقعت داخل هذه اﻷرض .

أما السبب الثاني ، فيتجسد في مقولة ( الوفاء ) للنظام السوري ، الذي قدم ، و ما زال ، الكثير من المساعدة للبنان عامة ، و لحزب الله خاصة ، طيلة فترة وجود قوات هذا النظام في لبنان ، و خاصة إبان حرب التحرير عام 2000 ، و حرب تموز عام 2006 .

و في مناقشة سريعة لهذين السببين ، نود تسجيل و توضيح اﻵتي :

أولا" : لقد أثبتت مقولة ( الحرب اﻹستباقية ) عدم جدواها بعدما تمكن معارضو النظام السوري من الوصول إلى السلسلة الشرقية من الحدود ، و سيطرتهم على أكثر من نقطة استراتيجية فيها ، و كذلك بعد تمكنهم من النفاذ إلى الداخل اللبناني ، و  تنفيذهم الكثير من العمليات اﻷمنية المروعة ، ما أدى إلى موت عدد كبير من المواطنين ، مما لا ناقة له في هذه الحرب و لا جمل .

و هنا يحق لنا التساؤل :

أي حرب دفاعية تلك التي تدفعنا إلى القتال في مناطق بعيد ، كحلب مثلا" ، في حين نعجز عن حماية المناطق المتاخمة لنا ، في السلسلة الشرقية و البقاع الشمالي ؟

ألم يكن من اﻷجدى أن يقوم الحزب بتأمين الحدود أولا"، بهدف حماية لبنان ، بدل الغرق في المستنقع السوري الموحل و العميق ؟

و هناك ، إذا تجاوزنا الموضوع اﻷمني ، ما هو أخطر بكثير ، و أعني به ، الفرز الطائفي العميق ،الذي شهده لبنان مؤخرا" ، حيث دفعت مشاركة الحزب في الحرب السورية ، فئات عريضة من المجتمع اللبناني إلى ردة مذهبية سافرة ، كتعبير عن رفضها لهذه المشاركة .

ثانيا" : إن التصريح أن أحد أسباب التدخل في سوريا ، هو مبادلة الوفاء بالوفاء ، هو تصريح بعيد عن الواقع ، و لا يعكس واقع العلاقة المتأزمة و المتوترة التي كانت تسود علاقات النظام في سوريا بحزب الله ، إبان فترة وجود جيشه في لبنان .

إن المضايقات التي تعرض لها حزب الله من جانب النظام السوري ، لا تعد و لا تحصى ، حتى وصل اﻷمر بالسوريين إلى ارتكاب مجزرة فظيعة بحق رجال حزب الله ، في ثكنة فتح الله في بيروت ، ذهب ضحيتها أكثر من عشرين شهيدا" .

إلى ذلك ، حاول السوريون ، مرار" و تكرارا" ، العمل على شق عصا الحزب و تشتيت قواه ، و ذلك من خلال السماح بظهور بعض الإنشقاقات ، إن لم نقل بدعمها و تغذيتها ( الشيخ صبحي الطفيلي مثالا" ) .

هذه الأمور و غيرها ، وضعت علاقة حزب الله مع النظام السوري على المحك ، و لولا تدخل الطرف الايراني لرأب الصدع ، لكان لتلك العلاقة نهاية أخرى و شأن آخر .

ما نود قوله ، أن مقولة ( الوفاء ) هي مقولة مبالغ فيها ، خاصة إذا عرفنا أن الدعم السوري ( الظرفي ) للحزب ، كان له ثمنه المادي و المعنوي ، فهو ، بهذا ، دعم مشروط و معروض في البازار السياسي و المالي .

و أخيرا" ، إذا كان تبرير الحرب الدفاعية قابل للمناقشة و لﻷخذ و الرد ، فإن تسويق فكرة ( الوفاء ) هو تسويق غير منطقي و غير مبرر .

و إلى أن يتكشف المزيد من الوقائع و الحقائق ، سيبقى التحليل و البحث عن الحقيقة ، أمرا" مشروعا" ، و واجبا" لا بد منه .