يمكن القول بأن المفاوضات النووية وصلت الآن إلى نقطة لم يعد النقاشات فيها على ما يجب على الطرف الإيراني الإلتزام بها، بل ما تبقى من تلك النقاشات هي ما ستتلقى إيران لقاء التزاماتها في المجال النووي، وهو رفع العقوبات دفعة واحدة، مما يعني بأن إيران قد فعلت كل شيئ من أجل رفع تلك العقوبات المدمرة، التي لم تعط ثمارها كما كان الطرف الغربي يتوقعه.

وبينما يلح الطرف الإيراني على رفع العقوبات بشكل كامل، يفتش الطرف الأميركي عن مبررات للتملص من الإلتزام برفع العقوبات كما يريده الطرف الإيراني عبر تقسيم العقوبات إلى العقوبات ما قبل المشروع النووي وبين العقوبات الناتج عن المشروع النووي، وحصر رفع العقوبات على الثاني واستمرارها في القسم الأول. فعليه يريد الغرب إبقاء العقوبات الناتجة عن ملفات غير الملف النووي من أمثال ملف دعم الإرهاب وملف حقوق الإنسان وما شابه ذلك من العقوبات التي تم وضعها خلال أكثر من ثلاثة عقود ضد إيران. أما موضوع الصراع بين الكونغرس وبين الرئيس باراك أوباما يبدو لا أهمية له.

حيث أن الرئيس أوباما توعد الكنغرس باستخدام الفيتو، فضلاً عن أن بقاء العقوبات الأميركية على إيران لن تضرّ إيران بشيئ، لأن رفع العقوبات الأوربية تكفي إيران التي منذ أكثر من ثلاثة عقود تنظر إلى العالم وكأنه لا يشمل الولايات المتحدة. وكان حجم التبادل التجاري بين إيران وأمريكا ضيئل جداً في فترة ما بعد الثورة. أما مع أوربا الوضع يختلف. لأن الطرفين لديهما تاريخ طويل من العلاقات الدبلوماسية والتجارية، ولن تستغني احداهما عن الأخري وفي اللحظة الراهنة تتريث الشركات الإيرانية والأوربية عقد الإتفاقية النووية من أجل إكمال الكثير من المشاريع التي تجمدت بفعل العقوبات.

وربما الأوربيون يفضلون استمرار العقوبات الأمريكية من أجل استئناف علاقاتهم مع إيران خاصة في المجال الصناعي. وعليه لن تكون استمرار العقوبات الأمريكية على إيران، أكثر من استمرار العقوبات على الشركات الأمريكية. ومن المستبعد جداً أن تحاول المنغرس فرض قوانينها على الإتحاد الأوربي ولا شك في ان المحافظين في إيران يفضلون استمرار العقوبات الأمريكية شرط رفع العقوبات الأوربية، لأنهم سيحتفظون بذلك موقع العداء للولايات المتحدة، الذي بات إرثاً مقدساً لهم من الثورة، من الصعب التخلي عنه.

هذا وليس الإيرانيون متفائلون بإلتزام الولايات المتحدة بالإتفاق النووي بحال إنجازه مع الإدارة الحالية،حيث هناك احتمال بنقض الإتفاق من قبل الكنغرس أو الرئيس القادم. ووسط هذا التشاؤم أعرب الوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف عن رغبة بلاده في تحويل العقد النهائي إلى مجلس الأمن، حيث أن قراراته مُلزمة للجميع ولم يتمكن الحكومات والبرلمانات من مخالفتها. ويرى عدد من الخبراء القانونيين، أن هذا الإقتراح، دليل على الذكاء لأنه يغلق الباب أمام أي طارئ غير مرغوب فيه.