انتهت تجربةُ جسّ النبض الاولى من الحوار بين العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع، وبدأت المرحلة الثانية، التي تفتح المجال أمام خيار من اثنين: إما إعلان الفشل في التوصل الى اتفاق، أو الاستمرار في الحوار في ظلّ التعثر الواضح الذي لا ينتظر إلّا نعي أحد الطرفين الحوار وإعلان فشله.

كان واضحاً منذ البداية أنّ هذا الحوار بدأ إثر حصول الفراغ الرئاسي، واذا قدر له أن ينتهي اليوم، فبسبب عدم الاتفاق على هذا الملف الذي يكاد بالنسبة الى عون أن يختصر الحوار كله، إذ لا فائدة بالنسبة اليه من كلّ هذه المفاوضات، في حال لم تنتهِ بقول جعجع: «نعم للجنرال رئيساً للجمهورية».

على عكس ما بدا ظاهراً، بدأ الحوار «القواتي»ـ «العوني» بمبادرة عون الذي ارتاب من حوار «المستقبل» ـ «حزب الله»، فاقترح على جعجع البدء بحوار ثنائي. كان لكلِّ طرف حساباته. فعون أراد جرّ جعجع الى الموافقة على انتخابه رئيساً، لأنه يدرك أنّ هذه الموافقة تعني موافقة «المستقبل»، وعندها يصبح الطريق مفتوحاً الى قصر بعبدا، خصوصاً أنّ «المُستقبل» رفع «الفيتو» من أمام عون، ورمى الكرة لدى الأفرقاء المسيحيين.

أما جعجع فلم يرَ أيَّ ضرر في الحوار مع عون، خصوصاً لجهة التخفيف من العدائية التي زرعها الاخير تجاهه و«القوات»، لكن في الوقت نفسه، لم يتردّد جعجع في وضع الامور في نصابها، فالموضوع الرئاسي غيرُ متفق عليه، طالما لم يوافق عون على أيّ صيغة من الصِيَغ التي طرحها جعجع وتقول بالاتفاق على اسمٍ وسطيٍّ بينهما، أو الذهاب الى مجلس النواب لاختيار أحدهما رئيساً.

بعد أسابيع على بداية الحوار تبدو الامور متجهة الى إعلان الفشل، لكنّ السؤال مَن هو الطرف الذي سيُعلن هذا الفشل، وما هي طبيعة الحملات ربما المعَدَّة مسبقاً التي ستُشنّ بين الطرفين، وهو أمرٌ متوقع يهدف الى تحميل المسؤوليات عن تعطيل الحوار.

في وقت وجّه عون منذ فترة رسائلَ استياء عبر بعض المقالات الصحافية، وبتحديد سقوف زمنية لانتهاء الحوار، بوضع شرط على لقاء جعجع هو قبوله بالجنرال رئيساً، اكتفى الأخير بالتحفّظ، وبالتأكيد على استمرار تمسّكه بالحوار، لكنه كشف بنحوٍ غير مباشر عن عدم سيره في تأييد عون للرئاسة، عندما قال إنّ إيران لا تريد أكثر من أيّ وقت آخر الانتخابات الرئاسية إلّا إذا استطاعت أن تأتي برئيس حليف لها (المقصود عون).

من غير المتوقع أن يُعلن أحد الطرفين في وقتٍ قريب وفاة الحوار، لكنّ الانسداد الذي حصل يؤكد أنّ الحوار انتهى تحت أقدام الرغبات الرئاسية، التي أطاحت إعلانَ النيات، وربما الهدنة الاعلامية التي اتفق عليها الطرفان.

لم يكن متوقَعاً منذ البداية أن يحقق هذا الحوار اختراقاً حقيقياً في العلاقة بين «القوات» و»التيار الوطني الحر». فعون لم يدخل في هذا الحوار لإزالة العدائية مع «القوات» مجاناً، فهو كان أوصل هذه العدائية الى مستوياتها القصوى في الجلسة الأولى للانتخاب حيث نبش نوابه قبورَ الحرب. كلّ ما طرحه عون في الحوار كان الوصول الى تفاهم بأيّ ثمن مع جعجع، مقابل مطلب واحد، وهو قبول جعجع به رئيساً.

مع استمرار الحوار واستنفاد الوقت بدأ عون يشعر أنّ جعجع لن يغيّر في قراره، وبالتالي بدأ يستعدّ لإعلان الفشل في الحوار، في حين يتمسك جعجع بهذا الحوار الى النهاية، من دون أن يغفل أنّ وليمة عونية دعائية قد أُعِدت سلفاً لكي تُستعمل ضده، بعد إعلان فشل الحوار، إذ من غير المستبعَد أن يُتّهَم بتضييع فرصة تاريخية على المسيحيين لكي يأتوا برئيس قوي، كما من غير المستبعَد أن يتهم بالتبعية للسعودية، وعدم القدرة على إنجاز اتفاقٍ تاريخي بين المسيحيين، بسبب ارتباطه بحلفائه، وعدم قدرته على التفلت منهم.