لا يصح التدخل في شأن داخلي اميركي- اسرائيلي، او التورط في خلاف بين الحليفين الاستراتيجيين، اللذين وضعتهما ايران، من دون ان تدري او تقصد، على طرفي نقيض.. وتواطأت معهما على ابقاء الجيران (العرب) موزعين بين مقاعد المتفرجين او بين أكناف الضحايا، حتى ينتهي التفاوض المديد الى مصالحة تاريخية او الى مواجهة تقليدية.  

 لم يكن يجوز التسلي بمتابعة الخطاب الثالث الذي ألقاه رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتنياهو امام الكونغرس الاميركي، او التلهي باحصاء عدد المرات التي صفق له المشرعون الاميركيون وقوفاً، (44 مرة) ومقارنتها بالتصفيق الذي ناله خطابه السابق في العام 2011( 29 مرة)، او خطابه الاول في العام  1996( 22 مرة)، او التحقق مما اذا كان هذا التفصيل او ذاك الخط البياني المتصاعد يعني أمراً جللاً في مسار العلاقة الثنائية الوثيقة.

لم يكن يستحسن التوقف عند بعض الاعلام الاميركي الذي قارن بين هذه الارقام القياسية التي نالها نتيناهو وبين الارقام التي سبق ان سجلها الرئيس باراك اوباما نفسه عندما كان يمثل امام اعضاء الكونغرس لالقاء خطاباته السنوية عن حال الاتحاد.. برغم ان بعض الزملاء الاميركيين أوضح ان مثل هذه المقارنة غير علمية، لان نتنياهو خطب أمس لمدة 40 دقيقة فقط بينما المعدل العام لخطابات اوباما هو 70 دقيقة.

لم يكن احد بحاجة الى مثل هذه الاحصاءات والمقارنات لكي يتأكد ان غالبية نتنياهو في الكونغرس الاميركي بمجلسيه، الشيوخ والنواب، هي اليوم اكبر من غالبية اوباما بما لا يقاس، ولكي يلاحظ ان هذه الغالبية تصبح لمصلحة الرئيس الاميركي اذا ما قيست بعدد المقاعد والاصوات المؤيدة له في الكنيست الاسرائيلي، او حتى في المؤسسات السياسية والعسكرية والاعلامية الاسرائيلية..التي أبدت قلقاً جدياً من ذلك التعالي او التطاول على رئيس اميركي، ومن المس بالمقدس الوحيد لدى دولة اسرائيل، وهو التماهي المطلق مع اميركا.

قبل موعد الخطاب امام الكونغرس، اقترح بعض الكتاب الاسرائيليين على نتنياهو البقاء في الولايات المتحدة، البلد الاحب الى قلبه والاقرب الى عقله، علّه يريح اسرائيل من حروبه المتكررة ويعفيها من عبء صراع غير مبرر وغير مفهوم مع ايران.. ويوفر على الناخبين الاسرائيليين عناء إسقاطه في الانتخابات المقررة بعد اسبوعين، والتي قرر ان يخوضها من واشنطن، وينقل الشقاق الداخلي حول زعامته الى صفوف الجالية اليهودية الاميركية التي تمثل أحد أهم المحرمات الاسرائيلية على الاطلاق. لكن نتنياهو دفع حملته الانتخابية الى الحدود القصوى التي قد تثير غضب الاسرائيليين أنفسهم.. عندما تجرأ امام الكونغرس في دعوة اميركا الى إسقاط النظام الايراني، مستعيداً النداء الذي وجهه الى واشنطن في عهد الرئيس الاميركي السابق جورج بوش لشن الحرب على العراق.. وهو النداء الذي لا يزال الاميركيون يذكرونه بمرارة حتى اليوم.. ويعتبرونه حجة لرفضهم  إسقاط اي نظام، مهما كان، وذريعة للاستمرار بالتفاوض والتفاهم مع طهران، وفق ما تقتضيه المواجهة مع الجهادية السنية المنفلتة.

ما خلا بعض الاصوات الاعتراضية المحدودة، لم يظهر ان الاميركيين شعروا بالمهانة من البصقة التي وجهها نتيناهو الى رئيسهم، ولم يوحِ البيت الابيض ان نوبة غضب انتابت اوباما، الذي اكتفى بالقول انه كان يتوقع من ضيف الشرف الاسرائيلي على الكونغرس ان يقدم بدائل للصفقة المقترحة على طهران..مع ان نتنياهو قدم بالفعل اربعة شروط، هي بمثابة انذار بالحرب، يمكن ان يدفع ايران الى تسريع انتاج القنبلة او حتى شرائها من السوق الكوري، او يمكن ان يحفز الايرانيين على توسيع سيطرتهم الى أبعد من العواصم (العربية) الاربع التي ذكرها رئيس وزراء اسرائيل بالاسم.

الخلاف جدي جدا. لكنه شأن داخلي اميركي اسرائيلي، قد يؤجل الصفقة مع طهران، كما قد ينقل المزيد من العرب من مقاعد المتفرجين الى أكناف الضحايا، لكنه لن يغير الكثير في جوهر العلاقات الاميركية الاسرائيلية.. حتى ولو فاز نتنياهو بالانتخابات بعد اسبوعين.     4