أخذت أسعار النفط بالصعود في الأسابيع الأخيرة متأثرة بعوامل متعدّدة وعلى رأسها العمل التخريبي الذي طاول منشآت النفط في ليبيا كما والمضاربة التي يقوم بها المستثمرون في الأسواق المالية. ويبقى السؤال الأساس الذي تصعب الإجابة عليه هو عن إتجاه النفط في الأسابيع المُقبلة في ظلّ مراهنة الأسواق على صعوده.

في 3 آب 2013، أقفل سعر برميل الخام الأميركي على سعر 101.92 دولار أميركي. وفي اليوم نفسه قمنا بنشر مقال في جريدة الجمهورية (التاريخ نفسه) توقعنا فيه إنخفاضاً هيكلياً في سعر برميل الخام الأميركي إلى ما دون الـ 50 دولاراً أميركياً. وإننا إذ نذكّر بهذا الأمر، فذلك يعود إلى أهمية مصداقية المنهجية التي سنتبعها في تحليلنا في هذا المقال والتي أعطتنا الحق في أقل من عام ونيف.

هذه المنهجية تنصّ على أنّ سعر النفط يتعلق بعوامل ثلاثة رئيسة: العرض والطلب (عامل إقتصادي)، التضخم في الدولار الأميركي (DXY index)، والمضاربة في الأسواق المالية (Speculations).

عامل العرض والطلب اليومَ يلعب دوراً أساساً في تحديد السعر، والواضح اليوم في الأسواق أنّ هذا العرض أكثر بكثير من حاجة السوق وذلك بفضل الفائض في الإنتاج السعودي الذي يأخذ قوّته من القدرة الإنتاجية غير المستخدَمة من السلطات السعودية والتي تسمح برفع الإنتاج اليومي بقيمة مليون إلى مليوني برميل إضافي.

هذا الفائض في الإنتاج يلعب دوراً محورياً في خفض الأسعار في ظلّ غياب الطلب العالمي لهذه المادة كنتيجة للوضع الاقتصادي المتردّي في كلّ الإقتصادات المُتطوّرة والتي تستهلك هذه المادة.

أمّا عامل التضخم، فيلعب مع العرض والطلب المحدّد الأساس للمستوى الهيكلي لسعر النفط. والمقارنة مع مؤشر التضخم في الدولار الأميركي - DXY - يؤدي إلى إستنتاج أنّ سعر برميل النفط يجب أن يكون بحدود الـ 55 دولاراً أميركياً (القاعدة الثلاثية).

والتغيّرات في سعر النفط حول المعدل الوسطي تعود بالدرجة الأولى إلى المضاربة التي تدور في الأسواق المالية. وما الإرتفاع الأخير في الأسواق لسعر النفط إلى نتيجة هذه المضاربة التي تعود بالدرجة الأولى إلى إقتناع المستثمرين بعودة صعود برميل النفط إلى مستويات عالية وذلك بفعل العوامل التالية:

أولاً: عودة الإنتعاش إلى الاقتصاد الأميركي وذلك بفعل التحفيزات التي خلقتها السياسة الاقتصادية الأميركية. أضف إلى ذلك تعلق الاقتصاد الكندي، الصيني، الأوروبي والإقتصادات النامية بالإقتصاد الأميركي ما سيزيد من دون أدنى شك الطلب على النفط.

ثانياً: عدم قدرة دول الخليج العربي في الإستمرار على هذا المستوى من المداخيل مع موازنات تُسجّل عجزاً كبيراً قد يضع حداً لمشاريع إنمائية وإقتصادية متعدّدة في هذه البلدان.

ثالثاً: التضخم الذي قد يخلقه إنخفاض سعر النفط الذي سيسمح بزيادة القدرة الشرائية وبالتالي زيادة الإستهلاك أي الأسعار. وهذا الامر سيدفع إلى إستخدام المصارف المركزية لأدواتها المالية بهدف لجم التضخم في وقت لا يسمح النموّ المُسجّل بأيّ زيادة في التضخم.

رابعاً: تأثير أسعار نفط منخفضة في إستخراج الغاز الصخري الذي لا يبقى له جدوى إقتصادية في ظل أسعار نفط منخفضة.

إنفردت الولايات المُتحدة الأميركية بكونها أول دولة في العالم في عصرنا الحديث تستخدم الحرب الاقتصادية في تعاملها مع العالم الخارجي. وقد أثبت التاريخ صحة وفعالية هذه العقوبات التي منعت الكثير من البلدان من التطور وعلى رأسها كوبا.

ويُعدّ هذا العامل من أهم أسباب إنخفاض أسعار سعر النفط منذ صيف العام الماضي وحتى الآن، حيث أرادت الولايات المُتحدة الأميركية لجم النفوذ الروسي في أوكرانيا والنفوذ الإيراني في الخليج كما وبرنامجها النووي. وقد نجحت إلى حدٍّ كبير في ذلك مع الروس والإيرانيين لكن لم ينتهِ الأمر هنا.

فالأميركيون يُريدون وضع حدّ كلي للأزمة الأوكرانية في ظلّ ضعف النظام الروسي عن القيام بمعارك على نطاق واسع مع إنخفاض مداخيله بنسبة كبيرة ومع إنخفاض إحتياطه من العملات الأجنبية.

وإذا إستطاع الأميركيون إنتزاع إتفاق سياسي بين الثوار والحكومة الأوكرانية، إلّا أنّ أزمة القرم ما زالت مُستمرّة. ففي عصرنا الحديث يُعتبر ضم شبه جزيرة القرم سابقة خطيرة قد تؤسس لأحداث مماثلة خصوصاً مع إزدياد النزاعات الحدودية بين الكثير من دول العالم.

أما في منطقة الشرق الأوسط، فقد حدّ إنخفاض مداخيل إيران من النفط ونتيجة العقوبات المفروضة عليها من طموح النظام الإيراني لكن لم يستطع حتى الساعة تغيير المسار في ما يخصّ البرنامج النووي. وهذا الأمر هو أساسي بالنسبة للعربية السعودية، حليفة أميركا والمنفذ الأساس لمخطط خفض أسعار النفط. ما يعني أنّ الولايات المُتحدة الأميركية لن تقبل بأقلّ من وضع اليد على البرنامج النووي إذ لم نقل وقفه بالكامل.

ما هو سعر برميل النفط في الأشهر المُقبلة؟
من المُتوقع أن تلعب المضاربة دوراً مهماً في رفع وإنخفاض الأسعار في الأشهر المقبلة وذلك للأسباب الآنفة الذكر. إلّا أنّ مستوى السعر (Trend) يبقى رهينة المناخ السياسي في أوكرانيا ومنطقة الشرق الأوسط والإقتصادي في بلدان دول الخليج. وهذا الأمر عكسناه في محاكاة ستوكاستية (Stochastic Simulation) عبر ما سميناه "سيناريو سياسياً وإقتصادياً ملائماً" و"سيناريو سياسياً وإقتصادياً غير ملائم".

وفي ظلّ السيناريو الأول من المُتوقع ارتفاع سعر برميل النفط الخام الأميركي إلى 65 دولاراً أميركياَ في مطلع شهر نيسان و32 دولاراً أميركياً في ظلّ السيناريو الثاني.

إلا أنّ الجدير بالذكر أنّ الأسعار تُحدّد نتيجة العرض والطلب وهذا الأمر يجعل منه رهينة عوامل خارجية عدّة وعلى رأسها الأعمال التخريبية في منشآت النفط كما حصل في ليبيا.

لا يُخفى على أحد أنّ قمة الإنتاج للنفط (Peak Energy) ستكون في العام 2036. وهذا يعني أنّ الأسعار ستتعرّض لنقلة هيكلية إذا لم يتمّ البدء بإستبدال النفط بطاقات أخرى كالطاقة المتجدِّدة والنووي الحراري (Thermonuclear).

لكنّ هذا الأمر لا يطال الغاز الذي تُشير الدراسات خصوصاً منحنى هوبارت إلى أنه بعيد في الوقت ما يعني أنّ الغاز سيكون له دور أكبر وأعلى مع الوقت ما سيسمح للبنان بالإستفادة كلياً من ثروته الغازية الراكدة في مياهه الاقتصادية الخاصة. وفي إعتقادنا أنّ الوقت الحالي ليس من أفضل الأوقات لتلزيم التنقيب وإستخراج الغاز ما سيتيح بلا شك للأجيال المُستقبلية الإستفادة ملياً من هذه الثروة.