تغريدتان متناقضتان للعماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع أبعدتا احتمال اشتعال شمعة الحوار القوّاتي فوق قالب الحلوى الذي لم تنضج الى الآن صورته الحقيقية بعد.

لا تختصر التغريدتان ما يجري في الحوار فقط بل تعطيان إشارة واضحة عن اختلاف الاجندات والاهداف من هذا الحوار، فالمستعجل يحاور المتمهّل وفق تصوّر بأن يؤدي هذا الحوار الى كشف الابيض من الاسود، فيما المتمهّل لا يرى ضرراً من استمرار هذه الجلسات الى العام المقبل، لإنجاز اتفاق واضح، على الارجح لن يتمّ الاتفاق عليه، في ظل التباعد الكبير في الخيارات والمواقف، من سلاح «حزب الله»، الى السيادة والحدود والقرارات الدولية، والمحكمة الدولية، وغيرها من القضايا.

كان متوقعاً أن يتمّ الاتفاق سريعاً على ما سمّي بإعلان نوايا، لكن ذلك تأخّر، واللقاء في الرابية تأخّر، فهذا الاعلان ممكن الاتفاق على بنوده على طريقة البيانات الوزارية التي لا تعطي حقاً أو باطلاً في القضايا السيادية، واذا حصل ذلك فسيكون إعلان نوايا فضفاضاً خالياً من أي معنى سياسي.

17 بنداً يجري النقاش حولها، تمّ التوافق على 10 بنود سهلة، فيما يدرس جعجع النقاط الباقية التي يفترض أن تكون بنود التعامل مع مواضيع السلاح والسيادة، وهنا تكمن مشكلة حقيقية، اذ لا يمكن عملياً الخروج بعد هذه الجلسات الماراتونية، بنَصّ يتجنّب مواجهة القضايا الخلافية، وهي جوهرية.

أعطى الدكتور جعجع سقفاً زمنياً للحوار امتدّ لسنة، فكان ان ردّ عون بإعطاء سقف زمني آخر ينتهي بعد شهر آذار. هذان السقفان يختصران اجندة كل طرف، والتمايز بين من يريد استثمار الوقت بسرعة، ومن يلعب لعبة الوقت، بانتظار فرج من عند الله.

تكمن النقطة المركزية في مصلحة عون بالحوار، بنَيل غطاء مسيحي، يساعد تسويق انتخابه للرئاسة، غير ذلك لا يوجد أيّ حافز آخر لدى الجنرال، لا طيّ صفحة الماضي التي يستفيد منها في كل مرة يريد إضعاف جعجع، ولا ما يسمّيه ملف محاربة الفساد، الذي أهمله بازدراء، حين فتحَ حواراً مباشراً مع الرئيس سعد الحريري.

من هنا يلوّح عون لجعجع بالمهلة الزمنية للحوار، وبحتمية إعلان موقف منه كمرشّح للرئاسة، وفي كلا الأمرين يرفض جعجع وضع سقف زمني، كما يتمسّك بمعادلة الاتفاق على إسم بينه وبين عون، كي يصبح مرشحاً توافقياً.

واذا كان من فرصة لزيارة جعجع الى الرابية وإعلان «إعلان النوايا»، فهي تنحصر في الاتفاق على انّ هناك خلافاً على الرئاسة، ووضع هذا الخلاف جانباً، حتى حصول اتفاق، والبدء بمصالحة مسيحية تنهي 30 عاماً من المواجهة.

هذا يعني أنّ اشتراط قبول جعجع بعون رئيساً، لحصول زيارة الرابية، هو اشتراط يقطع الطريق على الحوار، ولا يساعد في إنجازه. كما انّ تحديد سقف زمني للحوار من قبل العماد عون مرة بطريقة مباشرة، ومرات عبر تسريبات إعلامية، لا ينطبق مع مسار الجلسات الماراتونية، التي تطمح لإنهاء نزاع طويل، وأحقاد متمادية.

الى الآن يستفيد كلّ من جعجع وعون على طريقته، من هذا الحوار. الأوّل يكسب وقتاً، ويربح اعترافاً بموقعه مسيحياً كمعبر إجباري لأيّ اتفاق رئاسي، والثاني يطمح لأن يكسب صورة من يحظى بموافقة مسيحية على انتخابه رئيساً، لكنّ السؤال الى متى يمكن ان تطول هذه المناورات المتبادلة، في ظل معرفة الطرفين، بأنهما يتحاوران لأجل مكاسب محددة، وليس لأجل التوصّل الى اتفاق يُنهي ماضي الحرب، ويؤسس لاتفاق على حدّ معيّن من العناوين السياسية، فهل سينهي السقف الزمني الذي وضعه العماد عون هذا الحوار من دون أن يحصل اختراق، أم ستقتضي المصلحة المتبادلة، تمديد فترة الحوار، طالما بقيَ أمل ولَو ضئيل للعماد عون كي يصل الى قصر بعبدا؟       الكاتب : أسعد بشارة