يُواصل السيد ستيفان دي مستورا، مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة الخاص الى سوريا، جولات مباحثاته حول مبادرةٍ لوقف إطلاق النار في مدينة حلب. كما يواصل إطلاق تصريحاته الملتبسة، وآخرها حول موقع بشار الأسد المحتمل في مرحلة ما بعد "تجميد الصراع". 

 

وقد استدعى تصريحه الأخير، الذي اعتبر فيه أن الأسد "جزء من الحلّ"، توضيحات من عاملين في الأمم المتحدة على صلة به، مفادها أن المقصود كان مرتبطاً بدور للأسد في وقف العنف، أما ما يلي ذلك سياسياً فيقرّره السوريون.

 

غير أن التوضيحات هذه لم تُزل الالتباس المقصود، ولم تُوفّق بين ما قاله أو قصده المبعوث الأممي وبين ما أفضى إليه اتفاق "جنيف واحد" من خلاصات يترافق فيها وقف القتال بتشكيل حكومة يتخلّى لها الأسد عن صلاحيات الرئاسة، بما يعني فعلياً خروجه من الحكم. كما أنها لم توفّق بين مرامي المبعوث الأممي المُفتَرض به حياداً، ومواقف المعارضات السورية والعديد من دول المنطقة والعالم التي تعتبر الأسد مجرم حرب لا مكان له في سوريا المستقبل.

 

الأهم، أن تصريحات دي مستورا ومبادراته وكلّ السجال الذي أحاط بها تتنافى مع الحدّ الأدنى من الواجبات القانونية والسياسية لمبعوث دولي ومن احترام قرارات الأمم المتحدة نفسها. 

 

ومن هذه القرارات على سبيل المثال، قرار مجلس الأمن في 22 شباط/فبراير 2014 القاضي برفع الحصار عن مناطق في دمشق وحلب وحمص ووقف قصفها بالبراميل وإدخال المساعدات الإنسانية إليها. وهذا يعني بشكل خاص فكّ الخناق التجويعي الذي يفرضه النظام علىمخيم اليرموك ومناطق جنوب العاصمة، كما على الغوطتين الشرقية والغربية وعلى بعض أحياء حمص وحلب. فأين متابعة دي مستورا لهذا القرار؟

 

وماذا عن متابعته لملفّ السجون السورية الذي عُرض على مجلس الأمن، وصدرت بشأنه توصيات وتصريحات من منظمات حقوق إنسان ومن هيئات أممية، كما من ممثّلي الدول الأعضاء في مجلس الأمن، والذي تطالب المعارضة بإيجاد حلّ له؟ فهل تابع أيّاً منها أو طالب مجرّد مطالبةٍ بوقف التعذيب الممنهج في معتقلات الأسد الذي أشارت إليه جميع التقارير؟

 

قد يكون من الأجدى لدي مستورا ولوفود الأمم المتّحدة العاجزة سياسياً وغير القادرة على التقدّم بمبادرات، أن تركّز على المسائل الإنسانية وعلى المعالجات التي يمكن أن تخفّف مآسي السوريين، بانتظار أن تنضج بعض الظروف التي قد تُتيح وقف نار وبدء مسارات سياسية.

 

وقد يكون من الأجدى له أيضاً الإشارة ولو شكلياً الى ضرورة وقف الاجتياح الأجنبي للأراضي السورية الذي أصبح علنياً ورسمياً من خلال الهجوم الإيراني – اللبناني الحزب إلهي في جنوب البلاد حيث المعارضة المسلّحة كانت قد نجحت بالتقدّم وحرّرت مناطق عديدة. ففي ذلك ما يرتبط بمواثيق الأمم المتحدة التي يمثلّها دي مستورا، وبما في تلك المواثيق من تشديد على احترام "سيادة" الدول وأراضيها.

 

يبقى أن الدرس الذي يمكن استخلاصه من تصريحات دي مستورا وبعض تحرّكاته الأخيرة هو أن المبعوث الخاص لأمين عام الأمم المتّحدة لا يرى مشكلة في أن يكون القاتل (الذي أدانته عشرات التقارير الحقوقية الوطنية والإقليمية والدولية واعتبرته مسؤولاً مباشرة وعلى نحو غير مباشر عن مقتل عشرات آلاف المدنيين) "جزءاً من حلّ" لكارثة سبّبتها سياساته وسياسات والده على مدى 45 عاماً.

 

لعلّه يُفترض، إن صحّ ما سبق، التساؤل حول مشروعية "وظائف" كوظيفة دي مستورا وحول "الأخلاق" الناظمة لها. ففي الإجابات عن هكذا تساؤلات ما يُساعد على فهم بعض أسباب تراجع الأمم المتّحدة عن دورها وعن واجباتها...

 

الكاتب زياد ماجد