العلاقه الأميركية الإيرانية مركبة وخاضعة لمعايير تاريخية وقد نتوهم إذا اعتقدنا ولو للحظة أن العلاقة بين الولايات المتحدة الأميركية وايران يمكن ان تتعثر من أجل العرب أو بسبب تداعيات الملف النووى الإيراني. وما نعتقده أنه تغيير حقيقي يمس جذور السياسة ليس اكثر من مجرد تعديل اجرائي بسيط من قبيل فك الاشتباك بين حروف الوصل والفصل في اللغة العربية.
وخلال الذكرى ال 36 للثورة الإسلامية الإيرانية قال الرئيس الإيراني حسن روحانى ان بسط السلام والاستقرار واستئصال الإرهاب في الشرق الأوسط يمر عبر الجمهورية الإسلامية الإيرانية بمعنى أن إيران هي مفتاح أساسي للوصول إلى هذه الخلاصات. وهذا ما دأب المسؤولون العسكريون في الحرس الثورى الإيراني أو غيرهم من التيار المتشدد في إيران ومن المحيطين بالمرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية السيد علي الخامنئي على تكراره في شأن النفوذ الإيراني الذي يتوسع باتجاه العراق وسوريا ولبنان واليمن ولكن روحاني قاله باسلوب ديبلوماسي وصياغة اكثر دماثة وغير استفزازي وذلك من خلال قوله إن الدولة التي ساعدت شعوب العراق وسوريا ولبنان واليمن لمواجهة المجموعات الإرهابية والتكفيرية هي جمهورية إيران الاسلامية. وهذا يشير بوضوح إلى وجود رؤية موحدة في الداخل الإيراني بين المتشددين والمعتدلين لجهة الطموح الإيراني بالتوسع الاقليمي في المنطقه بما يدحض وجود مقاربات مختلفة في التعاطي الإيراني في المنطقه بين الطرفين.
واللافت هو إقرار الرئيس الإيراني المعتدل بالتدخل الإيراني في اليمن وليس فقط في دول أخرى معروف حجم وطبيعة تدخلهم فيها كما هي الحال في العراق وسوريا ولبنان وحتى في البحرين. وذلك في الوقت الذي لم يصدر أي موقف أميركي يجزم بالتدخل الإيراني لا بل يطرح شكوكا إزاء حصوله رغم أن معلومات استخباراتية كانت ترصد دعما ايرانيا للحوثيين وتحركهم العسكري منذ أكثر من ثمانية اشهر.
الاسبوع الماضي دخل اليمن في نفق مظلم يصعب تقدير نهايته بعد أن أكمل الحوثيون أحكام السيطرة على مرافق الدولة والحكم فيه إثر استقالة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي عندها وجد عبد الملك الحوثي زعيم الحوثيين الفرصة المناسبة لنشر الاعلان الدستورى واتخاذ قرار بحل مجلس النواب الحالي واستبداله بمجلس وطني يتألف من 551 عضوا وأعلن تشكيل مجلس رئاسي مؤلف من خمسة اعضاء.
الإدارة الأميركية اقتصر ردها على هذه التطورات الخطيرة في اليمن بإغلاق سفارتها تمهيدا لمغادرة بلاد يصعب التكهن بمستقبلها وكذلك فعلت بريطانيا ثم تبعتهما فرنسا وكأنه افساحا بالمجال لإيران لملىء الفراغ الذي يسببه مغادرة هذه القوى الساحة اليمنية.
هذا الرد الأميركي الخجول يعني ضمنا أن الادارة الأميركية لا تعارض التدخل الإيراني لمساعدة الحوثيين في اليمن. وقد يكون توريطا لإيران بالمزيد من الانزلاق في النفق اليمنى المظلم وربما يعود ذلك إلى أن إدارة أوباما ترى في الحوثيين أعداء لتنظيم القاعدة الإرهابي اذ انه تسيطر مخاوف داخل واشنطن من أن إنهيار الأجهزة الأمنية والعسكرية التقليدية والرسمية في حكومة صنعاء قد يمنح تنظيم القاعدة مساحة أكبر للنشاطات المعادية للغرب شبيهه بالتفجير الإرهابي الذي استهدف مجلة شارلي ايبدو الفرنسية الساخرة.
الحوثيون من جهتهم رأوا في الفراغ الدبلوماسي الأميركي فرصة للانقضاض على تنظيم القاعدة الذي يمثل لهم ولادارة أوباما عدوا مشتركا يجب إبعاده عن الساحة.
وفي السياق عينه فإن ايران ألتي تسعى إلى توسيع نفوذها في المنطقه فقد شكل اليمن المظهر البارز للتوسع الإيراني خارج حدودها. ذلك أن العاصمة صنعاء سقطت تحت حكم الحوثيين بدعم ايراني واضح مما يمكن إيران من فرض نفوذها على باب المندب بواسطة وكلائها الحوثيين وهو أهم مضيق بحري استراتيجي وهذا يؤكد على تصميم إيران على تثبيت مكانتها كقوة مهيمنة في الشرق الأوسط.
لا شك في أن الولايات المتحدة الأميركية تتعاون مع ايران الداعم الأساسي للحوثيين في قتالهم ضد تنظيم داعش لذلك تتحرك إدارة أوباما بحذر شديد في تعاملها مع القضايا التي تهم إيران خشية التأثير على محادثات الملف النووى.
إلا ان اليمن سوف لن يكون لقمة سائغة يمكن لإيران ان تبتلعها خصوصا بعد الحديث عن ان اليمن الجنوبي باشر بحراك واسع للانفصال عن الشمال وتاليا فمن المتوقع ان ترفض القبائل الأخرى هذا الواقع الأمر الذي يشير إلى احتمالات حدوث حرب أهلية مفتوحة يغرق في اتونها اليمن من شماله إلى جنوبه.
مراقبون سياسيون يعتبرون أن انفتاح الرئيس الأميركي باراك أوباما على ايران قد يكون فخا لاغراقها في المستنقع اليمنى شبيها بالفخ الذي نصبته واشنطن للرئيس المصري جمال عبدالناصر عام 1962 وكان نتيجته هزيمته في حرب حزيران 1967. خصوصا في ظل معلومات تفيد عن استعداد زعماء العشائر والقبائل المسلحة لشن حرب أهلية ضد الحوثيين والايرانيين. وطبعا بالمقابل فإن الحرس الثوري سيهرع للمساندة والدعم في اليمن وهذه عملية مرهقة بالنسبة لإيران لأنها تحتاج إلى الدعم اللوجستي المكلف وهذا قد يؤدي وكما يرى بعض المراقبين إلى اندلاع انتفاضة شعبية داخل إيران يغذيها انخفاض اسعار النفط وفرض حال التقشف على الشعب الايراني الذي ارهقته الثورة بطموحاتها ألتي لا تنتهي منذ انطلاقتها.