في 6 شباط/ فبراير الحالي، أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما عن استراتيجية الأمن القومي الأمريكي 2015، وتعرف اختصارا باسم (NSS)، وهي وثيقة تعد بشكل دوري من قبل الإدارة الأمريكية للكونغرس وتحدد المواضيع الأساسيّة التي تشكّل هاجسا بالنسبة للأمن القومي الأمريكي، والكيفية التي تخطط بها الإدارة الأمريكية لمواجهتها  أو التعامل معها.

وفي سابقة هي الأولى من نوعها لأي رئيس أمريكي على الإطلاق، تجاهلت استراتيجية الأمن القومي الأمريكي التي أصدرها الرئيس أوباما مخاطر إيران لا سيما في مجال دعم الارهاب، وزعزعة الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط، والمخاطر التي تفرضها على الحلفاء في المحيط الإقليمي وسجّلها السيئ في حقوق الانسان.

وبمراجعة نص الوثيقة، تبيّن أن إيران ذكرت تسع مرات موزعة على ثلاث فقرات فقط تحت ثلاثة أبواب: المقدمة (مرتان في فقرة واحدة)، منع انتشار واستخدام أسلحة الدمار الشامل (خمس مرات في فقرة واحدة)، السعي لتحقيق الاستقرار والسلام في الشرق الأوسط (مرتان في فقرة واحدة)، وجميعا مرتبطة بفكرة واحدة فقط وهي أنّ إدارة أوباما تسعى من خلال الدبلوماسية والمفاوضات إلى منع إيران من امتلاك قنبلة نووية.

هذه الوثيقة مهمة جدا في توقيتها لأنّها تأتي في سياق ما نرصده عن تنازلات أمريكية غير مسبوقة لإيران مقابل الموافقة على صفقة ترضي أهواء أوباما الشخصية وتكون بمثابة الكارثة للمنطقة والعالم، كما أنها تأتي في وقت يزداد فيه التعاون الأمريكي-الإيراني على حساب دول وشعوب المنطقة العربية كما سبق لنا وأن رصدنا في مقالات سابقة. 

ولذلك فإن تجاهلها التام لمخاطر دعم إيران للإرهاب وزعزعة أمن واستقرار المنطقة هو تأكيد لسياق التنازلات والتعاون بين واشنطن وطهران. وعدا عن ذلك، فإن الوثيقة في هذا المجال تتناقض مع وثيقة الأمن القومي الأمريكي السابقة التي أصدرها أوباما نفسه عام 2010 والتي ذكرت أن من أهداف الولايات المتّحدة "دفع إيران للابتعاد عن سياساتها التي تسعى من خلالها لامتلاك أسلحة نووية، ودعم الإرهاب، وتهديد جيرانها".

ليس هذا فقط، فإيران التي تعمّد أوباما عدم ذكرها في تقرير الأمن القومي الأمريكي كتهديد، هي نفسها إيران التي صنفتها التقارير الأمريكية عام 2013 بأنّها أكبر داعم للإرهاب، ليس في المنطقة وإنما في العالم. إذ يقول التقرير الذي أعدته الخارجية الأمريكية للكونغرس عن "حالة الإرهاب العالمي"، إنّ دعم إيران للإرهاب العابر للحدود شهد في العام 2012 قفزة نوعية عبر الحرس الثوري وفيلق القدس، والاستخبارات الإيرانية وحزب الله، ووصل إلى مستويات لم يسبق لها مثيل خلال 20 عاماً". انتهى الاقتباس.

أضف إلى كل ذلك أنّ وثيقة الأمن القومي التي وضعها أوباما عام 2015 أنهت تقليدا أمريكيا في التركيز على إيران كتهديد للأمن القومي وفق ما ورد في مختلف وثائق الأمن القومي الأمريكي الصادرة عن كل الرؤساء السابقين ديمقراطيين وجمهوريين. 

ففي وثيقة الأمن القومي التي أصدرها بوش الابن عام 2006، ورد عن إيران: "النظام الإيراني يدعم الإرهاب ويهدد إسرائيل ويقوّض السلام في الشرق الأوسط ويعرقل الديمقراطية في العراق ويحرم شعبه من التطلع نحو الحرية.... لا يمكن حل البرنامج النووي والقضايا الأخرى ذات الاهتمام إلا إذا قرر النظام الإيراني اتخاذ قرار استراتيجي بتغيير هذه السياسات".

كذلك أوردت وثيقة الأمن القومي الأمريكي التي أصدرها بل كلينتون عام 1994، التالي عن إيران: "سياساتنا تهدف إلى تغيير سلوك النظام الإيراني في عدد من المجالات المهمّة بما فيها الجهود الإيرانية للحصول على أسلحة دمار شامل ودعم النظام الإرهاب ولعدد من المجموعات التي تعارض عملية السلام ومحاولاته تقويض الحكومات الصديقة في المنطقة وسجّله السيئ في مجال حقوق الإنسان".

وحتى في الفقرات المحدودة جدا التي وردت فيها إيران في وثيقة أوباما الحالية في موضوع البرنامج النووي، وردت أكاذيب دأبت إدارة أمريكا على تكرارها ولا سيما عبارة "اتفاق (JPOA) نجح في إيقاف التقدم في برنامج إيران النووي"، التي وردت في بيان إصدار الوثيقة، حيث تمّ استخدام كلمة (Halt) لإقناع الجميع بأنّه نجح في لإيقاف التقدم في برنامج إيران النووي، وهي أسطورة غير  صحيحة على الإطلاق كما سنرى في مقالي القادم في الجزيرة.نت، حيث يمكن القول إنّ هذا الاتفاق السيئ الذكر ربما قد يكون نجح في تسريع برنامج إيران في بعض النواحي بطريقة غير مباشرة.

 

الكاتب: علي حسين باكير