لا أستطيع تحديد حقيقة الشعور الذي انتابني وأنا أشاهد صورة الصبية الجميلة ماغي فرحات، ابنة النبطية، جارتي، وما أحدثته صورتها من ضجّيج على مواقع التواصل الاجتماعي. إذ اكتسحت هذه الصبية الإنترنت بجمالها الطبيعي، فنافست، كما قيل، جميلات هوليوود.

ومن الجدير بالذكر هنا أيضاً أنّ تفاصيل الخبر المكمّل للصورة لا يقلّ جمالاً هو الآخر، فهذه الجنوبية الحسناء هي طالبة في الجامعة الأميركية اللبنانية تدرس الطبّ، وهذا ما يُخرج الموضوع من خانة الابتذال التي تعوّدنا عليها للأسف عند الحديث عن الأنوثة أو الجمال الأنثوي المترافق في غالب الأحيان، في الإعلام، مع الميوعة والإثارة الرخيصة. فقد وضع هذا الخبر جمال ابنة النبطية في خانة الاتزان والاحترام والوقار.

إلا أنّ هذا لم يحسم الإجابة عن عشرات الأسئلة التي تدفّقت على رأسي في تلك اللحظة، ولم تغيّر من حالة الاندهاش والصدمة الإيجابية التي تركتني أستغرق في حيرتي، ومن تلك الأسئلة الصادمة والمجهولة الإجابة التي أثارتها صورة ماغي:

هل يمكن أن نفتخر نحن الجنوبيون بهذه الصبية؟

سؤال قد يبدو للوهلة الأولى غريبا بعض الشيء، إلا أنّه طبيعي جدا بعدما أصاب جنوب لبنان تحولاً في المفاهيم والهوية والعادات. فعلى مدار السنوات المنصرمة، خصوصاً مع اجتياح الموجة الدينية وتغلغلها في مفاصل الحياة اليومية الجنوبية كلّها، وما نتج عنها من منظومة ثقافية جديدة جعلت للمرأة الجنوبية معايير محدّدة تخوّلها أن تكون موضع افتخار، أو تجعل منها محل اعتزاز.

لم يعد من مجال للمرأة الجنوبية إلا أن تكون أم أو زوجة أو أخت شهيد، فحتّى المناضلات، وهنّ كثيرات بلا شكّ، لا نكاد نعرف أسماءهنّ. وطبعا فقد تحوّل الحديث عن جمال المرأة الجنوبية أقرب ما يكون إلى الممنوعات المحظورة والمحرّمات المدانة.

أطلّت علينا صورة ماغي، مخترقة آلاف صور الشهداء المعلّقة على الاعمدة في الشوارع والأزقّة الجنوبية، وأشرقت بوجهها البهيّ من بين صور الإمام الخميني والخامنئي، وصور الرئيس نبيه بري والسيد حسن نصر الله وأعلام حزب الله وحركة امل، فبدت كأنها لا تنتمي الى هذه البيئة، ولا إلى هذا الزمن ، أو هي التي تنتمي.. لا أدري !
المهم أنّ صورة هذه الطبيبة الرائعة استطاعت ان تجد لها مكانا وسط غابة الصور، وبين لوحات الطبيعة الجنوبية الرائعة. صحيح أنّها لم تتجاوز صفحات التواصل الاجتماعي إلا أنّها أحدثت وقعاً جنوبياً صارخاً.

وإن كنا هنا لا نريد القول بوجود تناقض أو تنافر بين صورة ماغي، وبين ما اعتدنا أن نشاهده في الجنوب من مشاهد وصور حزبية ودينية وسوداء، إلا أنّه يصحّ القول إنّ للجنوب أيضا وجه آخر لا يقلّل من أهمية ومكانة الشهداء والرموز الحزبية والدينية، ويجب أن يُعطى حيزا مرموقاً يستحقه.

فالحديث عن الجمال في الجنوب لا يختصر بالطبيعة ونهر الليطاني وورود الجوري واللوز، وروعة الشومر وزهر الليمون في بساتين صور، وينابيع سهل الميدنة التي تحاكي جداولها عصفورة تستريح هنا على غصن شجرة الرمان، في مشوارها صوب أعالي جرجوع حيث ينتظرها هنالك عصفور على السنديانة العتيقة قرب نبع الطاسة.
بل يجب القول بوضوح إنّ كل هذا الجمال الطبيعي هو مشترك بشكل كبير مع الإنسان الجنوبي بشكل عام، ومع المرأة الجنوبية بشكل خاص. وأنا، وإن كنت حتّى اللحظة لم أحسم بعد ردّة فعلي على رؤية صورة ماغي، لكن من بديهيات القول إنّ الصورة رسمت بسمة لا إرادية وخجولة على ثغري.. فشكرا ماغي.